مجلة نيوزويك الأمريكية اختارت (100) شخصية عربية، هي الأكثر تأثيرا في الحالة العربية. ومن بين هؤلاء، المطربة اللبنانية نانسي عجرم. وحظيت هذه المغنية، مع الشخصيات المائة، بتكريم من المجلة الاميركية، وحملت "وساما"! بأنها من بضع عشرات من العرب هم الاكثر تأثيرا في مجتمعنا العربي.
واذا تجاوزنا الجزء الاساسي من خطابنا العربي، الذي قد يتهم المجلة الاميركية بعدم الموضوعية، فان هذه المغنية تتقدم فعلا على آلاف الشخصيات العربية، من زعماء ورؤساء حكومات ووزراء وقادة احزاب ومفكرين وادباء ورياضيين، في التأثير على المجتمع العربي. وهذه حقيقة ليست محل جدل. فهي لا تؤثر في كبارالسن وطبقة المفكرين، بل تحولت الى حالة مؤثرة في اجيال الشباب العربي، وربما في آبائهم وامهاتهم. ويكفي ان تنظم لها حفلة في اي عاصمة، حتى تكتظ القاعة او الساحة.
والجماهير العربية الغاضبة من الامبريالية والعدوان الدولي، تزحف الى حفلات نانسي واخواتها، ليس لان هناك طربا اصيلا او اختراعا فنيا، بل لاسباب اخرى، سواء ما يتعلق بطبيعة الفن في هذه المرحلة، او قضايا اخرى. لكن المحصلة ان نانسي جزء من ثقافة اجيال العرب، ومن الـ(100) المؤثرين في عالمنا العربي.
ورغم ان المضمون الفني لهؤلاء المطربين والمطربات ليس حقيقيا، الا انهم تفوقوا على قطاعات المفكرين والسياسيين، وقادة الامة واحزابها العريقة والحديثة. وبين كثير من هذه القطاعات والفن الحديث، قاسم مشترك، هو سطحية المضمون. لكن الفن تفوق، واصبح حالة مؤثرة، او على الاقل قادرة على "ترقيص" الاجيال وآبائهم وامهاتهم، بينما يعجز اهل السياسة والاحزاب والفكر، ليس عن لفت انتباه الناس فقط، بل وعن الحصول على ثقتهم.
في زمن نانسي واخواتها لم يعد هنالك ما يسمى الزعيم الاوحد للجماهير، او القائد الرمز، او ملهم الجماهير العربية. واخلت كل القوى الجادة الساحة للآخرين للتأثير، الا اولئك الذين ما زالوا يعتقدون ان اصدار الحزب لبيان، او تنظيمه ندوة ببضع عشرات من الحضور، او كلمة نائب في البرلمان، يمكن أن تحدث تأثيرا في مسار الامة وواقعها. فالبعض لم يعد قادرا على التأثير على ابنه او ابنته او زوجته، وبخاصة اذا كان من اصحاب المقاييس المزدوجة!
من يستحق الحراسة المشددة هم المؤثرون الحقيقيون في مجتمعنا العربي، مثل نانسي، اما قادة الامة وسياسيوها، الذين يتخمون موازنات بلدانهم بالمبالغ الطائلة للحماية والسيارات المحصنة ضد الارهاب، فان عليهم ان يطمئنوا بان تجوالهم في شوارع دولهم دون حراسات او اجراءات أمنية لن يجلب لهم اي خطر. أما ما يحتاجه قادة الامة، ومفكروها، وسياسيوها، وقادة احزابها، فهي انجازات تحصنهم من احباط الناس وفقدان الامل بهم.
واخيرا، فان امثال هذه المغنية قادرون على ممارسة الاصلاح، وفق مفهومهم، اكثر بكثير من كل صراخنا العربي حول الاصلاح، وجدلنا العبثي حول مكان صناعته في الداخل او الخارج. فما يفسده الاعلام الرديء، والفن التجاري، والزهد بالقماش، اكبر بكثير مما يدعي المصلحون سعيهم إليه، سواء أكانوا مصلحين للسياسة او المجتمع او غيره.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   سميح المعايطة