مشاركة الأردنيين في مواسم الحزن والوفاة اكبر بكثير من المشاركة في مواسم الفرح. وهنالك عرف، او عادة متوارثة، تجعل المشاركة في الاحزان واجبا اكثر الحاحا، وهذا امر ايجابي، وخلق كريم، لأن الناس في اتراحهم اكثر حاجة الى المواساة والمشاركة للتخفيف عنهم.
واعلان اهل الميت عن الوفاة جاء نتيجة توسع المجتمع، وانشغال الناس، وحاجتهم الى من يخبرهم، على عكس الحال يوم كانت الحياة اقل تعقيدا، والمجتمعات اقرب واكثر تماسكا من ناحية المكان. لكننا نمارس في مجتمعنا انواعا من الترف والبذخ والهدر، وبخاصة من قبل الجهات التي لا تنفق من جيوبها! وليراقب من شاء بعض صحفنا عندما يصيب الموت احد اقارب مسؤول او صاحب نفوذ، ليشاهد حجم الاموال التي يتم انفاقها من المال العام.
وهذا الامر يتكرر مع كل حادث من هذا النوع. وهي اموال طائلة تدفع من كل الدوائر والوزارات والشركات العامة؛ واحيانا كان، وربما ما زال، يتم وضع اعلان مشاركة عزاء من قبل موظفي دائرة او مؤسسة، ثم يجري جمعها او خصمها من رواتب الموظفين، وهو اشبه بالجباية. وكذلك الحال في شركات القطاع الخاص، التي من المفترض انها تعمل بأموال المساهمين، ولا يجوز انفاقها للمجاملات، الا اذا كان اعلان مشاركة العزاء جزءا من حملة الاعلانات لهذه الشركات.
ان اي شخص يسعى بمشاعر صادقة يمكنه زيارة بيت العزاء واداء الواجب، او اقامة مأدبة غداء او عشاء لأهل المتوفى على حسابه، اما ان تتحول مواسم وفاة اقارب المسؤولين الى احد ابواب موازنات الدولة، والشركات العامة والخاصة، فهذا يصنف في باب الهدر، وهو ليس اكثر من تكلف في المشاعر والمواقف. وهذا الامر يختلف عما شهدناه مؤخرا لدى القوات المسلحة والامن العام والدفاع المدني في نعي اي فرد من افرادها، وبخاصة من اصحاب الرتب الصغيرة وحتى المستخدمين المدنيين والمتقاعدين، فهذا نوع من المواساة وليست ابتذالا في المشاعر والنفاق للمسؤولين واصحاب النفوذ.
وقد شهدنا لدى بعض العائلات ممارسات جميلة، حين كان اهل المتوفى يطلبون من اصدقائهم ان يستبدلوا اعلانات النعي وباقات الورود بالتبرع للفقراء والمحتاجين. ولو كان هذا الامر عاما، لما سمعنا ان رئيس بلدية يدفع (50) دينارا مثلا تبرعا عن روح قريبة وزير البلديات، او رئيس مجلس ادارة شركة يتبرع بمائة دينار عن روح قريب او قريبة احد المسؤولين.
المشاركة في الاحزان خلق اجتماعي جميل، لكن ليدفع من يريد ثمن هذا من جيبه وماله الخاص، ولا يحمّل ميزانية وزارة او دائرة او شركة ثمن احزانه ومجاملاته. ولعل من واجب الحكومة، وهي تعلن التقشف والترشيد، ان تمنع اي مجاملة خاصة من المال العام، او ان يتم اجبار واحراج الموظفين في جباية ثمن اعلان نعي لمديرهم او وزيرهم.
العديد من عاداتنا الاجتماعية يحتاج الى ترشيد، فلدينا الكثير من اوجه الانفاق الايجابية، التي تحقق الاجر والثواب لفاعلي الخير، عبر ادخال الفرح على اسرة فقيرة، او توفير اقساط لطالب جامعي من اسرة مستورة، او توفير فرص عمل لابناء عائلات محتاجة. وهذا لا يقل اجره عن اي فعل خير نعتقد انه يجب فعله. فبناء مصنع ومحاربة بطالة في قرية، لا يقل عن اجر بناء مسجد، وبخاصة في مكان لا يحتاج إلى مسجد. وتوفير صوبة او ملابس لاسرة فقيرة، له اجر وثواب واولوية، اكثر من شراء ثلاجة ووضعها في مسجد عن روح ميت. وتوفير الدواء لمريض غير مقتدر هو عمل صالح لا يقل عن طباعة كتيب ادعية عن روح عزيز فقدناه.
انها منظومة اولويات من العمل الصالح، قدمها الاسلام لاهله، وجعل الاولوية لصناعة الفرح وازالة فقر فقير وفك كربة محتاج، وكما قال الرسول الكريم: "لأن يمشي احدكم في حاجة اخيه، خير له من ان يعتكف في مسجدي هذا شهرا"، وهذا القول الشريف دعوة لبناء اولويات سليمة، وخير الناس انفعهم للناس.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة