معادلة التعليم العالي في الاردن من شقين رئيسيين, الاول اننا نمتلك مؤسسات تعليمية هامة وذات مستوى متميز, بحيث اصبحت الجامعات الاردنية قبلة للطلبة العرب واصبح لدينا ما يسمى بالسياحة التعليمية التي تقدم الدعم للاقتصاد الاردني. اما الشق الثاني فهو الحاجة الى التطوير والاصلاح, وهذا مطلب ملح وضروري لكن بشرط ان يبدأ من النقاط الهامة, وأن يبنى على اساس اولويات, وليس لغايات ارسال رسائل بأن لدينا اصلاحا تعليميا, ولهذا يمكن تصنيف ما خرج من وزارة التعليم العالي امس عن "اصلاح!!" يستهدف بعض اسس القبول وإلغاء الحصص والكوتات نوعا من غياب المنهجية والاولويات الواضحة, او البحث عن الاهداف السهلة وغير الهامة وتأجيل القضايا الكبرى.
ومسألة الكوتات في التعليم العالي لم تأت لتصنع ظلما, بل لتحقق توازنا في بعض الاختلالات الناتجة عن غياب العدالة في توزيع التنمية ما بين المدن الكبرى والمناطق المظلومة من حيث الخدمات والبنية التحتية, فقوائم المناطق الاقل حظا التي تؤمن مقاعد للطلبة من هذه المناطق التي تعاني من غياب العدالة في البنية التعليمية التحتية, من نقص المعلمين والامكانات الاساسية, وهذا تقصير من جانب الحكومات احتاج الى تعديل للبحث عن توازن لهذه المناطق وابنائها, فالمساواة ليست عدالة الا اذا كان هناك مساواة في المعطيات وهذا غير متوفر حتى الآن بين المناطق المحظوظة وغير المحظوظة.
واعطاء عدة مئات من المقاعد في الجامعات لأبناء المخيمات او لأبناء عرب فلسطين عام 1948 ليس نقيضا للاصلاح والعدالة, وانما فتح الفرص امام فئات من الضروري ان تمنح استثناء ايجابيا لغايات اعطائها نوعا من الحق والفرص الضرورية. اما المكرمة الملكية لأبناء العاملين والمتقاعدين في القوات المسلحة فلعلها كانت من القرارات الاجتماعية الهامة والايجابية التي تجسدت في قرار الحسين رحمه الله بتخصيص نسبة من المقاعد لهؤلاء الابناء, فضلا عن دفع القوات المسلحة تكلفة الدراسة, وهذا اعطى فرصا كبيرة لأبناء هذه الفئة الكبيرة من الشعب الاردني, وهي فئة من اصحاب الدخل المحدود والمعدود, لكن حوالي ربع قرن على تنفيذ هذا القرار قدمت تطورا نوعيا في هذه الشريحة التي قدمت الكثير للوطن ومن حقها ان توفر لأبنائها فرص التعليم العالي.
لقد كان قرار المكرمة الملكية لأبناء العاملين والمتقاعدين في القوات المسلحة قرارا نوعيا, فهي ليست استثناءات بالمفهوم السلبي للاستثناء, بل انصافا لهذه الفئة التي قد لا تمكنها رواتبها من تأمين التعليم لأبنائها, وينطبق الامر على ابناء المعلمين الذين لهم مكرمة ملكية في الحصول على مقعد جامعي.
ان المشكلة الاساسية في التعليم العالي ليست في عملية الانصاف عبر هذه القوائم التي تحقق نوعا من العدالة لهذه الفئات الجادة والفقيرة في معظمها, بل في تحول التعليم العالي الى حالة برجوازية, ونتحدث هنا عن الجامعات الرسمية التي تتصاعد رسومها عاما بعد عام, بحيث اصبحت الفوارق بسيطة مع رسوم الجامعات الخاصة, وهذا يعني وضع حواجز حقيقية امام الفقراء واصحاب الدخل المحدود في تأمين التعليم العالي لأبنائهم, فهل يستطيع موظف او عامل في القطاع تأمين "1000" دينار مثلا سنويا لدراسة ابنه في الجامعة الرسمية؟ وهذه المشكلة التي تتفاقم عاما بعد عام, ويصبح التعليم العالي للنخب الغنية, الا اذا اختار الفقراء اللجوء للديوان او التجول على الجمعيات الخيرية وصناديق العون الاجتماعي, فالخصخصة الجزئية او الكلية لمتطلبات الحياة الاساسية من تعليم وصحة تعني مزيدا من المعاناة لاصحاب الدخل المحدود وطبقة الفقراء او حتى الطبقة الوسطى, ولا يخفف من هذا صناديق القروض للطلبة او غيرها من الآليات التي لا تحل المشكلة.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة