بسرعة قط يلحق قطة 

 

أتعاطف مع شباط ، لأنه يقلُّ يومين أو ثلاثة أيام عن باقي أخوته الأشهر. مسكين هذا الشهر القزم ، هكذا كنت أسميه ، فلا بدَّ أنه شَبَعَ صفعاً وركلاً وبتراً ، كي يتخلى عن نصيبه من الأيام. فحتى الأشهر لم تسلم من السطو.

شباط (فبراير) كان آخر أشهر السنة الرومانية ، والكلمة تعني باللاتينية التصفية ، أي حساب آخر العام أو رأس البيدر. لكن الحدث المفزع أن الأباطرة كانوا يتدخلون في كل شيء ، حتى في تعداد الأيام والأشهر ومقاساتها وطولها وقصرها. ربما لمزيدْ من التخليد والشهرة ، أو بعد أن تمسهم ضربة مزاج أو شطحة غضب.

ولهذا تعرّض صديقي شباط لعمليتي سطو (مشلحتين)،. الأولى قام بها الإمبراطور (يوليوس قيصر) عندما اصدر فرماناً يقضي بنزع يومْ من فبراير ، لإضافته إلى شهر (يوليو) ، المُسمَّى باسمه ، وبهذا صار شباط 29 يوماً فقط.

وليت الخسارة بقيت عند هذا الحد ، ولكن يتعرض شباط لثاني عملية سطو ينفذها هذه المرة الإمبراطور (أوغستين) ، ويخصم يوماً آخر منه ، ويلحقه بشهر أغسطس ، المسمّى باسمه ايضاً (الكل يقرب الجمر إلى خبزته،). وبهذا بقي من شباط 28 يوماً فقط. ومن أجل هذا ، فإن العالم بات يتعاطف ويراضيه كل أربع سنوات ويزيده يوماً ، أي في السنة الكبيسة ، فيكون 29 يوماً.

ومع كل خساراته وصفعاته سأبقى مغرماً بهذا الشهر الماطر العاطر ، ليس لأنه شهر العظماء ومسقط رؤوسهم ، كما يقال. بل لأنه شهر القطط بامتياز فريد. القطط التي نحبها ونربيها وننفحها حناننا ودلالنا وتمسيداتنا. ففي شباط يبدأ موسم تزاوج هذه الكائنات الجميلة الرشيقة ، وتعلو نداءات غزلها المبحوحة ، ذات الشجن الباكي ، فنراها في كل مكان ، فوق أسطح المنازل ، وجذوع الشجر ، وتحت السيارات. نراها تتراكض بجنون محموم والكل يصيح ويموء ، فلا تعرف تابعاً من متبوع.

بعد شهر تعود إناث القطط ، وبطونها تجرُّ أرضاً ، ثم تتوه بها المخابئ والدهاليز ، حين تضع حملها ، فيتعبها تنقيل القطيطات العُمي ، من هنا إلى هناك ، وقد تضطر نهاية المطاف أن تأكل بعض أولادها لفرط الخوف عليها. تماماً كما أكل الأباطرة شباط ، مع اختلاف التبرير.

سيقول قائل: في هذه الأيام (المقطقطة) ، يبدو أن شهر شباط تمدد وتعملق وسيطر على كل الأشهر والأيام ، فغدا الصياح والمواء مغطياً ومسيطرا على كل مساحاتنا الصوتية. معظمنا بات يصيح ويتذمر ويشتكي وينادي. وننسى في غمرة موائنا ، أن العمر يمر بسرعة قط يلحق قطة.

 

بقلم رمزي الغزوي


المراجع

addustour.com

التصانيف

صحافة   رمزي الغزوي   جريدة الدستور   العلوم الاجتماعية