يقال ان رئيس الوزراء يمارس تقنينا لسفر السادة الوزراء بحيث لا يتم السماح لاي وزير بالسفر الا للضرورة ترشيدا للنفقات, وقرأنا اجراءات وزير الداخلية في ترشيد بعض النفقات, وهو ترشيد قد يكون جلب حزنا وغضبا لدى عشرات الموظفين ممن كانوا يستعملون سيارات الوزارة، لانها على عهدتهم, اضافة الى نفقات اخرى تم ترشيدها, وكل هذا يمكن اعتباره في اطار مبادرات حسن النية والتوجه الإيجابي للترشيد.
 لكن مثل هذه الاجراءات لا يمكن الاكتفاء بها واعتبارها سدا لهدر مالي, فعادة ما تلجأ الحكومات الى الترشيد السهل, وتبدأ عهدها بنوع من التقشف الذي يستهدف لمبات الكهرباء وسحب بعض السيارات, ولا تمارس سياسة الترشيد وفق منهجية ودراسة واضحة, ولهذا فمع مرور الايام تجد الحكومات نفسها تمارس ما يمارسه الجميع من إنفاق غير متوازن, ومصاريف اضافية واموال تذهب هنا وهناك دون وجه حق, ليصبح الاجراء الاول من اطفاء اللمبات عبثا اداريا لا قيمة له. ولعل من الضروري ان نطالب الحكومة بأن تمارس ترشيدا مبنيا على دراسة علمية مالية لكل أشكال النفقات, ونتذكر ان دراسة هامة قد وضعها وزير التنمية الإدارية الأسبق د. محمد الذنيبات لحكومته يوم ان كان وزيرا مع المهندس علي ابوالراغب, وتحدث عنها الوزير ثم ذهبت الى الرئاسة وغابت ولم تظهر آثارها حتى الآن. ولا تعدم الحكومة وسيلة في الحصول على نسخة منها والاستئناس بها وتطويرها.
 واول نواقض الترشيد في الإنفاق ما مارسته حكومات سابقة عندما اتخذت سياسة الأعطيات لفئات عديدة دون وجه حق, وأصبحت سياسة المغلفات بديلا عن الإنجاز, حتى إن الإشاعات طاردت العديدين في أوساط مختلفة من أن فلانا أعطته الحكومة ثمن سيارة بعد حادث سير أودى بسيارته, او أن فلانا تقاضى "5" آلاف ويمتد المبلغ الى "20" ألفا, وهذه الإشاعات ظلمت الكثيرين، لكنها استندت الى اتساع سياسة الأعطيات, حتى إن البعض أصبح عاملا مشتركا في أكثر من قائمة رسمية وزعت الآلاف على من لا يستحقون, فأي تقشف يمكن الحديث عنه بعد هذا الهدر.
 وما نتمناه على الحكومة "المكلفة" ان تعلن عمليا عن محاربتها لسياسة الأعطيات والمغلفات وأثمان السيارات, وربما لو كان الجو السياسي أكثر مناسبة لطالبنا الحكومة بالإعلان عن قوائم الذين تقاضوا الأعطيات والمغلفات, بينما يحتاج المواطن الفقير الى ساعات وأيام ليحصل على معونة طارئة من صناديق العون. والترشيد يتجاوز بنزين السيارات الى القرارات الإدارية التي تقفز عن المألوف عبر سياسة التعيينات بعقود شاهقة الرواتب, او اعطاء من لا يستحق موقعا يحق لغيره, وغيرها من القرارت الإدارية التي تكلف الخزينة اموالا كثيرة وهي أكبر تأثيرا على المال العام من لمبة تبقى مشتعلة في دائرة حكومية.
 التقشف او وقف الهدر استحقاق على كل حكومة بل على كل الدولة ونحن نعاني أوضاعا اقتصادية شائكة, وإذا أرادت الحكومة ان تعطي لتوجهها مصداقية فليكن عبر سياسة واضحة وخطة مفصلة تبدأ بأشكال الهدر الكبرى ولا تتعطل مع أول حاجة حكومية "لتسليك" أمورها عبر تعيينات غير سليمة او أعطيات او مال يعطى لغير أهله.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   سميح المعايطة