متعبون يا بئر
كانت الحروب القديمة مضحكة خصوصاً إن تحولت إلى مصارعة وعراك، بعد انكسار السيوف أو فقدانها، وكان يعتري هذا الصراع أو (المباطحة) على رأي الفلاحين، ما يعتري عراك الصبيان في شجاراتهم وطوشاتهم، من شدٍّ لشعر الرؤوس، وأخذ باللحى
.
وعلى ذمة بعض كتب التاريخ، فقد كان الاسكندر الأكبر ذو القرنين، أول من تنبه إلى خطر اللحى على جنوده | ، ولاحظ أن طول هذه اللحية ربما يكون سبباً في خسارة الحياة إن حدث عراك باليد العارية؛ ولهذا أصدر فرماناً يجبر فيه الجنود على حلق لحاهم وذقونهم ورؤوسهم على الشفرة، وهذا الأمر صار سُنة عسكرية، حتى يومنا هذا.
ورغم هذا، إلا أن الاسكندر الأكبر كان يربي شعره الناعم، ويتركه طويلاً سارحاً تحت تاجه اللامع، وكان يربي لحية شقراء مجعدة، وهذا ليس كسراً لفرمان أوامره، بل هذا الشعر الطويل كان يخفي سراً أعظم | .
فكما يروى، فالاسكندر كان له قرنان صغيران يكبران شيئاً فشيئاً في رأسه، وربما سمّى بذي القرنين لذلك، لا لأنه أجتاح شرق الأرض ومغربها، وسرّ القرنين، لم يكن يعلم به إلا حلاقه الخاص. ومن عادة الحلاقين أن حبة البوشار الهشة لا تبتل بأفواههم، لكثرة كلامهم ورطنهم، وربما نحب الحلاقين لهذه الصفة، حينما نسلم رؤوسنا أو أذقاننا لمقصاتهم أو أمواسهم: وكل ذلك على سبيل التنفيس. ربما | .
حلاق الاسكندر يعرف تماماً ما معنى أن يبوح الواحد بسر الاسكندر. لكن السر جمرة ملول ملتهبة تحرق الصدر، ولهذا طلب نصيحة من الفيلسوف: يا معلمي، إنني يحرقني سرٌّ عظيم، لا أقدر أن أبوح به، وإن أبقيته في صدري أكل حشاشة قلبي وقتلني: أريد أن أنفس عني | .
الفيلسوف يعي ما يعنيه حفظ السر من صعوبة وجلد، ويعي أيضاً ما عقوبة من يجرؤ على البوح بأسرار الإسكندر، ولهذا نصح الحلاق أن يذهب إلى جوف الصحراء، ويحفر بئراً عميقةً، يدخل رأسه بفمها، ويصرخ بكل ما أوتي من قوة، وينفس عن نفسه ويبوح بالسر | .
استطاع الحلاق الثرثار، أن ينفس عن كربه، ويطفئ جمرة سره الخطير، الذي ما لبث أن تناقلته الآبار فيما بينها، وشاع حتى وصل إلينا. فهل حاولتم أن تصنتوا ذات مرة إلى هدير وخواء الآبار الفارغة؟ | ، فهذا الهدير ما زال حتى يومنا هذا يقول بهمهمة خائفة هامسة. للاسكندر قرنان كبيران | .
أحياناً نحتاج أن ندخل رؤوسنا في بئر عميقة، ونهمهم: متعبون حد النخاع | | . فكم بئراً تلزمنا للتنفيييييييييييييييييييس؟ | | | .
بقلم رمزي الغزوي
المراجع
addustour.com
التصانيف
صحافة رمزي الغزوي جريدة الدستور العلوم الاجتماعية
|