الكاتب يكتب للقراء وللناس، لكنه يكتب ايضاً من معاناتهم وملاحظاتهم وارائهم، التي تكون تعبيراً صادقاً ومباشراً عما يجري حولهم من احداث وقضايا. فمثلاً، وبعد اجراء التعديل الوزاري أول من امس، تلقيت اتصالاً من مواطن كريم من اهل الطفيلة، يبدي استغرابه من اصرار الحكومات على مطاردة الوزراء السابقين عند اجراء التعديل او التشكيل، ومن ذلك التعديل الاخير. فوزير الزراعة الذي تم اختياره ليمثل الطفيلة، كما يقول المواطن، مهندس مدني بينما هناك اصحاب كفاءات من رجالات وشباب الطفيلة متخصصون في الزراعة، ومن حقهم ان يأخذوا فرصهم، وان يتقدموا الى الامام، لا ان تبقى الحكومة مصرة على احتكار التمثيل في اشخاص تم تجريبهم!
ومع الاحترام لاشخاص السادة الوزراء، فان ملاحظات الناس دقيقة. فوزير المياه الجديد شخص رائع في تعامله وثقافته، لكنه استاذ اكاديمي في مجال السياسة، وكان في الحكومة السابقة وزيراً للتنمية السياسية، فلماذا نلحق ظلما به وبتخصصه ونضعه في موقع فني يتطلب خبرة سابقة، بخاصة اننا نعاني من مشكلة مائية؟!
وسنسمع من البعض رداً بان الموقع الوزاري منصب سياسي، وهذا الامر نظرياً صحيح، لكن ممارسات الحكومات جاءت في كثير من الاحيان بوزراء لا علاقة لهم بالعمل السياسي، وغير قادرين على اداء ادوار سياسية او اضفاء نكهة سياسية لوزاراتهم وللحكومات، وهو ما ينطبق على الحكومة الحالية التي ضمت في تشكيلتها الأولى وزراء لا يمكن تصنيفهم فنياً او سياسياً. بل اننا شهدنا في السنوات الاخيرة احاديث حكومية عما يسمى بـ"التكنوقراط"؛ اي الوزراء الفنيين، وكان هذا مبرراً لتمرير بعض طبقات الوزراء حديثي العهد بالعمل العام، والذين قفزوا من شركات في الداخل والخارج الى قمة العمل الحكومي، ليكتشف الاردنيون بعد ذلك انهم ليسوا تكنوقراط بالمفهوم الغربي والحقيقي للمصطلح، كما انهم مغتربون عن الواقع وتفاصيل المجتمع والدولة.
وبعيداً عن التعديل، فقد تحدث إلي مواطن، برتبة وراتب موظف، عن الزيادة التي قد تقوم بها الحكومة على رواتب فئات من المواطنين. وراتب هذا الموظف، كما يقول، 300 دينار و40 قرشاً اردنياً فقط لا غير؛ ويتساءل: هل وجود دينار و40 قرشاً زيادة في راتبه عن الفئة التي ستنال خمسة دنانير يعني انه محصن ضد زيادات الاسعار السابقة والمقبلة، وهل زملاؤه الذين يتقاضون 298 ديناراً متضررون من الزيادة في الاسعار بينما هو من الطبقة البرجوازية؟ وحتى هؤلاء الزملاء سينتقلون الى فئة ما فوق 300 دينار حين تصبح رواتبهم 302 دينار، وبالتالي سيحرمون العام القادم من الزيادة "المجزية" على رواتبهم، عندما يتم رفع الاسعار مرة اخرى في صيف العام القادم!
هذا الاختراع الذي تبنته الحكومة، نقلاً عن حكومات سابقة، بتصنيف رواتب الموظفين، يجعلها تمارس "شطارة" ودقة عندما يتعلق الامر برواتب الناس وما تقدمه لهم، اما عندما تقرر زيادة ضريبة المبيعات او رفع الاسعار فانها تفعل هذا بشكل جماعي. فرفع سعر "جرة" الغاز او "تنكة" البنزين لا يتم على فئة دون فئة، بل هو عمل يصيب الجميع، اما صرف خمسة دنانير فيتم من خلال تصنيف الموظفين، وكأن من يتقاضى 310 دنانير، مثلاً، لا يحتاج الى زيادة في راتبه، وان من يتقاضى 202 دينار لا يحتاج الى اكثر من خمسة دنانير، بينما زميله من فئة 198 ديناراً يعطى 10 دنانير!
اختراع الحكومات لهذا النوع من الزيادات لعبة مسلية، ومصدر طرافة في مجالس الناس؛ فالحكومات تقول ان خط الفقر يصل الى 500 دينار، بينما تشير قرارات زيادة الرواتب الى ان من يتقاضون راتبا أكثر من 300 دينار هم من فئة الاغنياء الذين يمكنهم تحمل قرارات رفع الاسعار، وهم في غنى عن اية زيادة على رواتبهم، حتى لو كانت رمزية. فالدنانير الخمسة قد لا تكفي لشراء فردة حذاء لطفل من ابناء الموظفين، او لتأمين بطيختين في هذا الموسم الذي يكثر فيه البطيخ واحاديث الاصلاح والتطوير وصناعة الوزراء.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   سميح المعايطة