يروى عن احد المفكرين الاوروبيين انه اجتمع الى زعيم ثوري تقدمي ورث الحكم الجمهوري عن ابيه، وانه قال لهذا الزعيم الشاب: ان اباك كان ديكتاتوراً عبقرياً، فهل يمكنك فعل هذا؟ وهذا السؤال تشكيك بقدرة الوريث على ممارسة الدكتاتورية العبقرية، ودعوة له لاعادة النظر في أسلوب الحكم. لان ممارسة الديكتاتورية، مع شكليات العبقرية ومحاولة اللعب على تناقضات الساحة الاقليمية والدولية، دون دراية وذكاء سيأتي بنتائج وخيمة على صاحب هذا النهج.
وفي زمننا الحالي، لم يعد بإمكان الانظمة السياسية المستغرقة في احادية التفكير والتنفيذ والحكم، امتلاك هامش كبير من المناورة. ولم يعد عزل مسؤول كبير اواعتقال مسؤول سابق بتهمة الفساد، او نثر كميات تجارية من الانشاء عن الديمقراطية، لم يعد كافياً، بخاصة وان الدول الكبرى لم تعد مصلحتها مع انظمة استنفدت اغراضها، وانما تحتاج هذه الدول الى تجديد حلفائها، وحتى خصومها، حفاظاً على مصالحها او منع تعاظم بؤر العداء لمصالحها وسياساتها.
وقبل ايام تحدث احد الاصدقاء عن لعبة ساخرة طريفة، وضعها بعض الساخرين من ديمقراطية نظامهم السياسي وعمليات التجديد الشكلي لولاية الحاكم فترة بعد فترة. واللعبة عبارة عن سؤال بشأن رأيك في تجديد ولاية الرئيس، اما الاجابة فهي أحد خيارين: نعم أو لا. وعندما تختار كلمة (لا) فإن مؤشر الكمبيوتر يرفض العمل، وهكذا تبقى تحاول الرفض دون جدوى، ولا تملك في النهاية الا ان تذهب إلى الاجابة الاخرى (نعم)! وهذا الامر الطريف الساخر يصور حالاً سياسياً في اكثر من ساحة ودولة؛ فالمواطن لا يملك الا خيار القبول، وحتى ان توفر خيار الرفض فهو شكلي.
ومهما ما كان القمع والستار الحديدي على الناس فلن يكون اكثر مما كان عليه الحال في اوروبا الشرقية. فبعض تلك الدول لم يكن يسمح باستخدام آلة النسخ (التصوير) الخاصة بالوثائق، الا بموافقة سياسية وامنية، وكان يوضع الى جانب كل آلة -وعددها قليل- رجل امن يراقب ما يتم تصويره! اما الفاكس، وربما لم يكن في العاصمة سوى جهاز او جهازين، فكان خاضعاً ايضاً للرقابة الصارمة. لكن هذا لم يمنع شعب تلك الدولة من الاطاحة بذلك الزعيم الثوري. فالقصة في النهاية خاضعة لمعايير وموازين لا علاقة لها قط بقوة اجهزة الرقابة والقمع، والتاريخ والكون لهما سنن لا يجوز تجاهلها.
ربما آن الاوان ان يخرج البعض في عالمنا العربي من محاولة ممارسة الذكاء على الشعوب، عبر تعريف الديمقراطية بأنها صندوق انتخابات جزئية لبلدية او السماح بندوة او بعض القرارات الاقتصادية، مثل السماح بوجود بنك للقطاع الخاص، فالنظام السياسي الذكي الراغب في الحياة هو القادر على تجديد نفسه، واعادة انتاج ادواته وصورته وعلاقته مع شعبه. ولعل الزمان لم يعد يسمح بدكتاتورية عبقرية، فكيف بقمع غبي؟!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة