كالطائر الذي ينبعث من رماده 

 

هذا ثامن عام يمرُّ على الفجيعة؛ فنخاف أن نتحسس رؤوسنا وأقدامنا، فثمة تبديل مقصود لأشيائنا الواضحة، كالقمر أو كالقهر. أحقاً كان علينا أن نبكي بعينٍ دمعاً ساخناً وبالعين الأخرى دمعاً بارداً؛ لتذبل العينان معاً، فنصير نصفين: نصف أعمى، ونصف ليس بصيراً؟، أهكذا تجري الأشياء غير المعقولة دوماً؟.

هو عام آخر يمرُّ، بوجعه ونجيعه وقضه وقضيضه، فهل نجرؤ ونوقد شمعة كبيرة كالمتفائلين، في ساحة الفردوس في قلب بغداد؟، أم نلعن أشلاء الظلام الدامس، الذي أتخم الأشياء ونفخها، كدأب اليائسين؟.

متعبون نحن، متعبون حدَّ النخاع، وحدَّ أقاصي الوجع، بتنا كالساقط بين فراشين: لا هنا، ولا هناك، تأكل الأرض لحمنا المنهوب في أفواه الطرقات والحارات، وتتجافى الفيافي على بعض جلدنا، فأين المفرُّ، وأين المفر؟.

فكيف سرقوا أحلامنا من مهدها الهزاز، وكيف سحقوا نجومنا الطرية التي حطّت أرضاً، في ذلك النهار النيساني؟، فأين الملايين المخبؤة في سخونة الرماد؟؟، وأين سنوات الكلام العالي من الكبرياء المرسوم على الورق، وعلى الورق فقط؟، وأين الموت الشريف المشرف، الذي ظللنا نسمع به حتى دهمنا الموت التافه في الرمق الأخير من الفجيعة؟، وأين الأفعى التي لم تتقطّع؟؟، بل سرطتنا وبلعتنا بطيننا وطنيننا؟.

هذا عام ثامن يمرَّ علينا، أو نمرُّ عليه: فأين الحرية الآتية من أقصى الماء الأطلسي؟، وأين أضواؤها المنبعثة من تمثال سيدة العالم الجديد؟، الآتية لتنير أرضنا المحترقة بخوفنا وسكوتنا الطويلين البليدين؟، فأيُّ الأحلام أشدُّ وطأةً عليك أيها القلب؟، أحقاً كان علينا أن نصدِّق هذا السقوط الزهيد لمدينة دأبها ألاّ تسقط، إلاّ في برك من دماء الشهداء الأشاوس؟؟.

اليوم لا يليق ببغداد إلا أن تنهض من كبوتها، كطائر الفينيق الأسطوري، الذي ينبعث من رماده وموته لحياة جديدة متجددة، فتياً شاباً يثور محلقاً في سماوات المجد سماء إثر سماء. ولهذا سأبقى متفائلاً ومتفائلاً، وسأقول بأن بغداد الحبيبة الأصيلة، لا بد ستنهض من رمادها وكبوتها، وتحلّق.

فوردة لساحة الحرية وسط بغداد، ووردة للمستنصرية بجامعتها، ووردة لأناس حي الأعظمية، ووردة لسوق الغزل، وسوق هرج، وشارع الرباط، وأخرى لطيبة مقاهي (راغبة خاتون) وشوارع كرادة داخل، وساحة كهرمانة، ووردة لماء دجلة المرآة، وأخرى لأحلامنا منزوعة الروح، ووردةٌ أخيرة للعراقيين الأباة، من زاخو حتى البحر: فعودي بغداد نحن بانتظارك.

 

بقلم رمزي الغزوي 


المراجع

addustour.com

التصانيف

صحافة   رمزي الغزوي   جريدة الدستور   العلوم الاجتماعية