كسر الغربال في قمة (البوعزيزي) 

 

رغم أني بغدادي العشق والهوى، إلا أنني لا أتوقع نجاحاً لقمة عربية تلتئم في أرض السواد، مهما دُججت بالشعارات الرنانة والبيانات الطنانة، ليس لأن بغداد الحبيبة، ما زالت تنهض من رمادها، وتلعق جراحها، وتتعافى. بل لأن هذا العام تحديداً، هو عام القيعان التي انقلبت قمماً، وليس عام القمم التي خنقتنا بدخان طبيخ حجارتها منذ عقود.

هذا عام الشعوب، التي نهضت من (غربال) كساحها وهرولت بلا عكاكيز لقطف أمجادها. هذا عام الشعب حين تريد الحياة، وليس عام القمم التي ظلت تتكرر علينا بذات التضاريس، حتى ترسبت في قاع اهتماماتنا، وصارت تمر دون أن نشعر بها. هو عام الشعوب، التي أعادت طبغرافية الأشياء إلى موقعها الصحيح، فجعلت القمة قمة والقاع قاعا، وأحقت الحق وأبطلت الباطل.

ومن أجل هذا، سأقترح قمة للشعوب العربية في (سيدي بوزيد)، مسقط رأس شعلة التحرر العربي الجديد (محمد البوعزيزي)، نريدها قمة دون سجاد أحمر يزنر أرض المطار. نريدها قمة تتراءى أمامها دماء شهداء ثورات الياسمين واللوتس وغيرها. نريدها قمة تدرج على جدول أعمالها كلمة حمراء واحدة: الحرية. ثم نرددها بلكنة تخلد في أذن الزمان.

في بعض موروثنا الشعبي، كان إذا تأخر الطفل عن المشي، فعلى الأم أن تجلسه في غربال (منخل خشبي يستخدم لتنقية الحبوب من الزوان والأتربة والحجارة)، ثم تدور به مجروراً في زقاق الحارة بمعاونة جارتين من جاراتها، مرددة أغنية ممزوجة بالتفاؤل والأمنيات (داديه داديه يا قرون الغول/ داديه يكبر ويطول/ اتملى اتملى يا هالبير/ حتى يمشي ها الصغير).

الشعب العربي الذي ظل صغيراً قابعاً في غربال كساحه مرعوباً من الغول والغولة وظلالهما. نهض أخيراً بكامل براكينه وأقدامه في عام 2011، وراح مهرولاً. بعد أن كان مجروراً في عالم تقدم، ونحن نراوح ذات أزقة الخمول. ولكن الحال ستكون غير الحال.

في قمة سيدي بوزيد، علينا أن نكسر غربال كساحنا. ونكومه قطعاً صغيرة في عربة محمد البوعزيزي الخشبية الماثلة للعيان هناك. ثم سننصت بكامل قلوبنا، ليس لسماع ألسنة اللهب تأكل جسد البوعزيزي. بل لنسمع صدى الصفعة الظالمة، التي سقطت على وجهه؛ وقلبته بركاناً لفتيل تحررنا. فسلام على البوعزيزي في العالمين، وعاشت الشعوب حرة أبية.

 

بقلم رمزي الغزوي


المراجع

addustour.com

التصانيف

صحافة   رمزي الغزوي   جريدة الدستور   العلوم الاجتماعية