المناجذ وقممها الترابية 

 

بما أن الجامعة العربية أرجأت انعقاد القمة العربية التي كان مزمعاً عقدها في بغداد إلى أجل غير مسمى، وتعويضاً عن تسلق تلك القمة «الترابية» التي لم يستطع أن يكومها فوق سطح الأرض، فسيعجبني أن أتسلق معكم قمما أخرى، غير تلك القمة الشعبية التي اقترحت قبل أيام عقدها في سيدي بوزيد مسقط رأس محمد البوعزيزي. فهذا هو أوان الشعوب التي تربعت على قمتها.

حين كنا في المدرسة كان معلم الجغرافيا ينشر فوق السبورة خريطة صماء متآكلة الأطراف بهتت خطوطها وتمزقت أطرافها، ثم يأمرنا بصوت مغمور بالحزن، أن نخرج واحداً تلو الآخر، نحدّد بالعصا الطويلة وطناً عربياً كبيراً صامتاً، حدوده من الماء إلى الماء ، وحين كنا نجرؤ ونسأله عن هذه الخطوط المستقيمة والمتعرجة، التي تقسمنا وتقطعنا كان يقول بحشرجة دمعة: هو الاستعمار يا أولاد، عندها كنا ندخل في قمة حلم يقظة كبييير... ، فنتخيل أصابعنا الصغيرة ممحاة كبيرة تمسح تلك الخطوط.

وكبرنا وكبرت في رؤوسنا خريطة المعلم المتآكلة وصوته المجروح، وهمنا بوطن عربي كبير، من نجد إلى يمن، إلى مصر فتطوان. وكانت حناجرنا النارية تلتهب صراخاً: بلاد العرب أوطاني، وكبرنا على قمة فجيعتنا؛ لنكتشف أننا كنا ننادي بالفرقة دون أن نشعر بذلك أو ندري حين ننشد: بلاد العرب أوطاني، ولم تعلمنا أن نقول بلد العرب وطن واحد. فيا لقمة خيبتنا يا أستاذ. فهل سيوحدنا توقنا للحرية والتحرر؟.

لا أحد يستطيع أن يصنع قمة جميلة ومهندسة ومهذبة من تحت الأرض إلا الخلند (والذي يجمع بكلمة مناجذ)، ذلك الكائن الصغير الأعمى الذي يعيش في سراديب يحفرها بأظفاره وأسنانه، ثم يخرج ترابها ليصبح قمماً صغيرة ناعمة فوق الأرض، لكنها -مع قمة الأسف- تبقى قمماً ضعيفة تتهاوى مع أول وابل مطر أو يد عابث.

وإذا كان من قمة الجفاف، أن يبكي الواحد منا على أحلام يقظة ضائعة، كان يربيها ويربي أولاده عليها، فيعصر نفسه كليمونة؛ فلا ينزل من عينيه إلا ملح ناااااااااااااعم، فقمة الفرح أن نرتاح هذا العام من قمم كانت تسبب لنا ما يشبه السقوط في بحيرة كالونيا بجسد مشرح. وسنتسلق معاً قمة الحرية رغم وجعنا اللذيذ. فيبدو أن المناجذ لم تعد تعمل ولن نرى أكوام التراب بعد الآن. فعاشت قمة الحرية.

 

بقلم رمزي الغزوي


المراجع

addustour.com

التصانيف

صحافة   رمزي الغزوي   جريدة الدستور   العلوم الاجتماعية