مقال أمس "القدوة في الترشيد" كتبته قبل أن يقرر مجلس النواب التخلص من السيارات الوظيفية وقبل أن يعلن رئيس المجلس مجموعة اجراءات لترشيد الانفاق, والمبادرة التي تمت في الديوان الملكي بتوجيهات من جلالة الملك بسحب سيارات (B.M.W) ذات الاستهلاك العالي للبنزين خطوة ايجابية للترشيد، وسبق أن طالب بها العديد ومنها مقال في هذا المكان قبل اسابيع بعنوان "اقتراح نفطي", وكان الاقتراح بأن تمتلك الدولة الاردنية نهجا في عدم استعمال السيارات ذات الاستهلاك الكبير لكل السادة المسؤولين على اختلاف درجاتهم, فهناك دول في العالم اكثر منا مالا ورخاء يستعمل مسؤولوها سيارات عادية لكنها حديثة, فكيف بنا ونحن كما تقول الحكومة نعتمد على المساعدات؟
القرارات التي خرجت أمس من الديوان والنواب تستحق الاشادة, وربما على السادة النواب الذين كانوا يقابلون نقدنا لصفقة السيارات بالغضب والنقاش الحاد أن يدركوا أن نهج التفكير بالامتيازات خطأ لا يجوز أن يمتلكه نواب لشعب يعاني من ظروف اقتصادية صعبة, وفي دولة تلجأ الى الناس لتغطية عجز الموازنة, والان بعد هذا القرار للنواب يثبت لهم أن الوسطية والاعتدال في البحث عن الامتيازات سلوك ينسجم مع الموقع القيادي, ومن الواجب ان نذكر السادة النواب والاعيان بما اقترحناه عليهم في مقال امس من المبادرة الى وضع تشريع معدل للقانون الذي يعطيهم الحق في الجمع بين التقاعد وراتب أو مخصصات عضوية مجلسي الاعيان والنواب وان يكونوا مساوين للوزراء في هذا الجانب.
ومع الاشادة بالقرارات فان ما نحتاجه هو تكريس نهج الترشيد, أي ان نمتلك عقلية ترفض االبذخ والاسراف, والعبرة دائما في وقف انفاق أي قرش في غير مكانه, والقصة لا تبدأ ولا تنتهي بالبحث عن سيارات صغيرة للمسؤولين, فنتمنى ان تتوقف كل اشكال العطايا, فنقيض الترشيد ان يتكرر أن فلانا اشترت له الدولة شقة او بيتا او فيلا بعشرات او مئات الالوف, أو ما كنا نسمعه عن هدايا من العيار الثقيل من سيارات فاخرة ذات الثمن الباهظ, أو آلاف الدنانير التي كانت تعطى لهذا او ذاك, وكانت أشبه بالهدر لان توزيعها لم يتم على أسس موضوعية، ولم يكن هناك أي مبرر لفكرة التوزيع. ومن الهدر المغلفات التي أعتقد أن قيمتها دخلت في خانة الملايين التي تم توزيعها عبر النواب على الناس الفقراء.
االترشيد في جوهره ليس للبنزين بل للمال العام, فالحكومة ترفع الاسعار لتوفر المال, ولهذا فقد يكون عبثا أن نبيع سيارات المحركات الكبيرة بينما نستمر في السخاء والتبذير في مجالات أخرى, فإنفاق سيارة اقل من ارسال زوجة او ابن مسؤول الى العلاج على حساب الحكومة بتكلفة عشرات الآلاف رغم انه لا يحتاج لهذا ويمكنه دفع التكلفة من جيبه, او العلاج في مستشفيات الدولة في عمان.
والترشيد قرارات سياسية ايضا فالكرم في تعيين الوزراء دون أسس ثابتة, وزرع الاردن بأصحاب المعالي والدولة والعطوفة كل هذا انفاق مالي ضخم يكلف الخزينة نفقات ثابتة وكبيرة, وحتى وجود مجلس نواب بهذا العدد الضخم فانه هدر مالي, فنحن لا نحتاج الى اكثر من 60-70 نائبا في الحد الاقصى, ونصفهم من الاعيان, ولا نحتاج الى حكومات كبيرة تزداد مع كل تعديل مثلما حدث مع الحكومة الحالية, وهناك ايضا وزراء الدولة الذين هم أشبه بالمستشارين في الرئاسة توكل اليهم مهمات وليس وزارات, اي اننا مطالبون بنهج في الترشيد اكبر بكثير من توفير البنزين وانما في امتلاك الحرص على كل قرش من المال العام.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة