تعمدتُ الابتعاد عن الكتابة في هذا الموضوع اياما منذ الاعتصام "الرمزي!" -الذي نظمته احزاب المعارضة احتجاجا على قرارات الحكومة برفع اسعار المشتقات النفطية- حتى لا يبدو الحديث عن حادثة واحدة, لكن قصة قوى المعارضة انها تفشل في إثبات الحضور في القضايا الحساسة, فالجميع شاهد على شاشة التلفزيون العدد القليل من قيادات هذه الاحزاب يقف على باب مجلس النواب يوم الخميس الماضي رفضا واحتجاجا على قرارات الحكومة, وهذا الحضور الضعيف والفعالية سيئة الاعداد والتنفيذ لا تدلل على موقف الاردنيين من قرارات الحكومة, بل يعبر عن الواقع المتردي للجنة التنسيق وتفاعل احزابها مع نشاطاتها المختلفة, وربما لو وجد من ليس له خبرة بالحياة السياسية الأردنية لأوصله رقم العدد القليل من المعتصمين الى قناعة بأن الأردنيين سعداء بقرارات الحكومة, وان المعارضة تقتصر على عدد من القيادات الحزبية فقط.
  لكن هذه الحادثة تعيدنا الى امر تحدث به بعض قيادات هذه الاحزاب مرات عديدة, وهو ضرورة إعادة النظر في اسس وآلية عمل هذه التحالف, فهذه الصيغة اصبحت قريبة الى نموذج الجامعة العربية التي ينتقد الجميع دورها, لكن الجميع يرفضون عمليا تطوير ادائها او اصلاحها, لهذا فالجميع شركاء في الوضع المتردي ومسؤولون عن الحال السيئ, ولا يقلل من قيمة هذه الشراكة النقد الشكلي, فالعبرة بالافعال لا بالنوايا.
  واذا عدنا الى الاعتصام؛ فهل الغياب يعود الى عدم الثقة بقيامه وسماح الحكومة به, ام هو زهد من الأحزاب بهذه الفعاليات مع ان هذه النشاطات هي المعيار الأهم لقياس قدرة الاحزاب على التأثير؟.. بعض الاحزاب المشاركة في ائتلاف المعارضة لا تملك عناصر وكوادر قادرة على المشاركة في فعاليات جماهيرية, وتكاد كوادرها تقتصر على اللقاءات الحزبية, وبعض الاحزاب تمتلك القدرة على الحشد, وكلا النوعين من الاحزاب في ادائه خلل سواء بغياب القدرة او غياب الجدية.
  واذا كانت قضية اسعار المشتقات النفطية وخبز الناس لا تحظى من احزاب المعارضة بأكثر من عدد قليل من قادتها وكوادرها في اعتصام شكلي, فأي القضايا تستحق العناية والحشد, ولماذا التركيز على بعض القضايا السياسية - على اهميتها - بينما مثل هذه القضايا المعيشية والخدماتية التي تهم كل بيت لا تظهر الا في بضع يافطات من الكرتون, واشخاص متناثرين على الرصيف امام مجلس النواب?!
  ليس انجازا لاي حزب ان يصدر بيانا فهذا لا يحتاج الى اكثر من فاكس وقلم وورقة وامين عام او عضو مكتب سياسي, ولعل على الاحزاب ان تدرك ان استغراقها في القضايا السياسية والنخبوية والقضايا الخارجية جزء من منظومة اسباب عزوف الناس عن العمل الحزبي, وفي كثير من مواسم الخبز والأسعار كانت الاحزاب تقف بعيدا وتكتفي ببيان او ملتقى ثم نقد للحكومات, فلماذا ينحاز الناس الى احزاب تتعامل بـ"الشوكة والسكين" مع قضاياهم, بينما تخوض معارك شرسة ضد قانون او قرار؟
  ان اكتمال الصورة يدعونا الى المطالبة بإعادة النظر بآلية لجنة التنسيق, فكثير من هيئاتنا السياسية غير الرسمية بحاجة الى اصلاح, وقبل ذلك الى جرأة ومبادرة, وألا يبقى البعض يعتقد ان نقد الذات وإجراء اصلاحات سيخدم "الحكومات", او يحتج البعض بالتوقيت, فبعض احزابنا مكتظة بعوامل الانهيار بسبب الصمت على العيوب التي تحولت الى مكاره ومكامن ضعف قد تستعصي على الحل.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   سميح المعايطة