ثبت حتى الان ان الحكومات لا تملك حلولا سحرية لمشكلتي الفقر والبطالة. ومن المؤكد اننا لسنا دولة اقتصاد حر كاملة المواصفات، وان القطاع الخاص لم يصل الى مرحلة احتلال المساحة التي يتركها القطاع العام في تأمين الوظائف وفرص العمل.
ما نقرأه في مفاصل الجغرافيا والسكان في الاردن، ان لدينا مناطق عديدة مكتظة بالبطالة والفقر اكثر من غيرها، وان هذه المناطق خالية من الاستثمارات والمشاريع التنموية التي تؤمّن فرص عمل، ونسبة كبيرة من اهالي هذه المناطق يعانون فقرا في بنية مجتمعاتها. ولهذا، تجد رب الاسرة وشبابها يبحثون عن اي فرصة عمل، حتى بدرجة عامل. وهذا الحال لا يتحمل الناس مسؤوليته، بل هو محصلة اداء تنموي غير عادل، وعملية اقتصادية غير شاملة.
ونتذكر ان حكومة علي ابو الراغب خصصت، قبل سنوات، عدة ملايين من الدنانير لمشروع تشغيل في المناطق المختلفة، والذي وفر مئات فرص العمل لمدة ستة اشهر. وجوهر الفكرة معقول، لكن ربما يحتاج الى تطوير بحيث يتحول الى برنامج دائم، في الوزارات المختلفة والبلديات، وهدفه المباشر توفير مصدر دخل دائم للاسر الاردنية، في القرى والمدن المختلفة، عبر تشغيل رب الاسرة او احد ابنائها في بلدية او وزارة. وهذا الامر، وان كان تحميلا للدولة مهمة توفير الدخل، الا انه اكثر جدوى من فكرة صندوق المعونة وغيرها. والعبء والعبرة تكون لدى الحكومة في الاستفادة من هؤلاء الموظفين على نظام المياومة وتشغيلهم، لتكون المحصلة تقديم مصدر عيش لأسرة وبآلية كريمة، وربما اكثر توفيرا من صندوق المعونة وغيره.
ولعله من باب المبالغة ان نشهد حماسا من قبل بعض الحكومات لوقف التعيينات في الفئة الرابعة وعمال المياومة، واعتبار هذا مصدرا للترشيد، بينما يكون الهدر في الوظائف الكبرى! وعلى اي مسؤول ان يجول في اروقة الوزارات ومجلس النواب، او في الاستدعاءات المقدمة للوزراء، ليجد ان نسبة كبيرة منها تبحث عن وظيفة من الفئة الرابعة لشاب يريد العمل في بلدية او وزارة بحثا عن لقمة الخبز، وتوفيرا لمصدر رزق ثابت، مهما كان قليلا.
واذا كانت الحكومة تخصص في ميزانية هذا العام 20 مليون دينار لشراء سيارات جديدة، فما الذي يمنع من تخصيص مثل هذا المبلغ أو أكثر في كل عام لتوفير فرص عمل في البلديات وعلى حساب المشاريع، وكلها من رواتب فئة 100 دينار، لكنها تحقق الكثير لعائلات مكتظة بالحاجة والفقر، والبحث الجاد عن أساسيات العيش. ومثل هذا الامر، وبخاصة في المناطق الفقيرة في المحافظات المختلفة، تحول حقيقي في مستوى معيشة الاسرة. وتخصيص عشرة او عشرين مليون دينار اضافية كل عام لهذه الغاية امر مرغوب ومطلوب، حتى لو كان في ظاهره زيادة لاعداد موظفي الفئة الرابعة وعمال المياومة، فهو يحقق نوعا من الحلول لشرائح فقيرة، بل ومعدمة.
هنالك فئة واسعة يمكن تسميتها (الباحثون عن لقمة الخبز)، وهي فئة متواجدة في المحافظات المظلومة في كل الاردن. وهؤلاء يقنعهم الراتب القليل، وهي فئةٌ الواسطة لاطعامها وتأمين مصدر رزق لها ليست فسادا او محسوبية، بل فريضة وواجب على كل قادر، الا اذا كان بعضنا قد صدق كثيرا حكايات ارقام النمو الكبيرة، او اعتقد ان ثراء بعض المناطق يمثل كل الاردنيين! نعم لتوسيع التوظيف في قطاعات العمل الصغيرة، وفق مخصصات ترصد في كل موازنة، والهدف ان يجد هؤلاء خبزا وكازا وثمن فاتورة الكهرباء، وكفانا تنظيرا لاقتصاد السوق والتنافس ودور القطاع الخاص.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   سميح المعايطة