المشكلة الأساسية في نهج عمل القاعدة ومنها المجموعة التي تبنت الاعتداء الذي تم على العقبة أنها لا تملك رؤية سياسية متكاملة لعملها, وما تفعله أنها تمارس عملا ينطلق من موقف عقائدي وفقهي يدخل في باب التطرف, بل يمكن تصنيفه وفق المثل الشعبي القائل "هواة مقفي"؛ فأجندة هذه المجموعات هي التفجير, وحتى العمل الذي تواجه به الولايات المتحدة في بعض الساحات فإنه يتم بخلط غير مفهوم بحيث استباح قتل الاطفال والابرياء والمدنيين من العرب والمسلمين, والخطيئة الكبرى في عمل القاعدة أنها تفعل ما تفعل من قاعدة التكفير للآخر, وبهذا فهي تختزل العالم والعرب والمسلمين في مجموعة صغيرة, ولها معركة مع ما تبقى, فالكل في خانة الاعداء, أما المدنيون والأبرياء من العرب والمسلمين فهم عمليا في ذات الخانة والتصنيف لأن قتلهم مباح أو ضروري لقتل الأعداء, ولهذا فتفجير الأسواق والعمارات وربما قرب المدارس والأحياء السكنية كل هذا مباح ما دام يضر بالاعداء.
وغياب الرؤية السياسية والحرص على الحضور عبر التفجيرات والاغتيالات أدخل مجموعات القاعدة في حالة رفض من قبل الناس, فلا أحد يقبل أن يكون معرضا للموت هو وأطفاله في شارع أو سوق أو مطعم أو حتى في بيته, بحجة أن دبلوماسيا أميركيا يمر في هذا المكان, وحتى أشد الرافضين للسياسة الأميركة فإنه لا يقبل أن تكون بلده ومدينته والحي الذي يسكن فيه ساحة للقتل وسفك الدماء تحت حجة مطاردة أميركي يعمل في بلد عربي, فهذا المنطق لا يسنده فكر أو منطق ولا يعززه عمل سياسي.
وما تفعله القاعدة أنها تمارس هدرا لذاتها, وتمارس قتلا لحضورها, فعملية شتم السياسة الأميركية والعداء لها ليست حكرا على تنظيم بل رأي عام عربي واسلامي, لكن هذا الخطاب لا يبرر ممارسة العمل داخل المدن واستباحة قتل المدنيين, وإشاعة حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في ساحات ومدن عربية وإسلامية, فهذا الفكر ونهج الاكتفاء الذاتي من الفتاوى التي تنطلق من ذات المدرسة بل ذات المخيم أو مكان الاختباء كفيل باهدار حتى بعض التعاطف الذي حصل عليه التنظيم في بعض المراحل.
وما حدث من تدبير عمليات في الأردن بما فيها ما حدث في العقبة لا يفسر إلاّ في سياق عملية الثأر التي تسعى القاعدة للقيام بها ضد الأردن, وهنالك موقف شخصي لقائد هذه المجموعة من الدولة الأردنية بحكم تاريخه الشخصي, وربما يكون نجاح الأجهزة الأمنية في ضبط العديد من المحاولات خلال السنوات السابقة وراء استمراره في المحاولة للثأر من الأجهزة, فالقصة في جوهرها ليست استهدافا للولايات المتحدة ومصالحها, فليس معقولا أن يرسل التنظيم من العراق من ينفذ اعتداء في العقبة بحجة ايذاء اميركا, بينما العراق ومدنه مكتظة بقوات الاحتلال الامريكي, ولا حاجة للهجرة وتهريب الصواريخ الى الاردن لتهديد الامن الامريكي.
القاعدة في جوهرها وبخاصة بعد رحيل الاحتلال السوفيتي أصبحت تعبيرا دوليا عن تجربة بعض الجماعات المصرية مع النظام المصري, والذين هاجروا من مصر وحولوا ما حولهم الى ساحة لأفكارهم وطريقة عملهم, فساد فكر التكفير واستباحة العمل المسلح ضد الأنظمة والسياحة وتبرير قتل المدنيين, ومع اتساع دائرة غرق القاعدة في أعمال عنف داخل المدن العربية أصبح هناك حالات ثأر وعداء من بعض مجموعاتها تجاه أنظمتها, وهذا يجعلها تعمل بعقلية التنظيم الخارج عن القانون وبروح الانتقام على قاعدة من فكر التكفير وتبرير القتل داخل المدن.
وما يرشح من أنباء عن حادثة العقبة أن ايلات لم تكن هدفا لكن ارتجاج مكان الاطلاق بعد الصاروخ الأول أحدث خللا في التوجيه, وهذا ينسجم مع القراءة المنطقية لفكر هذه المجموعات التي لها تصنيف للاعداء, فأميركا أولا وهذا يعود لما فعلته أميركا بالقاعدة وطالبان, ولأن الولايات المتحدة عدو بحكم تحالفها مع بعض دول الخليج التي تنتمي إليها بعض قيادات القاعدة, والعدو الثاني أو الأول مكررا هو عدد من الأنظمة التي لبعض قيادات القاعدة ملفات وتاريخ فيها مثل مصر والاردن.
لا مستقبل لأي فكر يقوم على استباحة قتل الناس, ولا ذكاء أو رؤية لأي عمل يصنع حالات ثأر وعداء مع عامة الناس, فالمواطن في أي مكان عدو لكل من يهدد أمنه ويجعل حياته في خطر من قنبلة أو سيارة مفخخة.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة