أطفال الصيف
إذا كانت بيوتنا سترثي حالها، بعدما تفرغ أبناؤها بكل شغبهم لعطلتهم الصيفية الطويلة، فأنا سأرثي لحالنا ولأفكارنا أننا ما زلنا نسمي فترة الانقطاع عن الدراسة بأنها (عطلة)؛ أي تتعطل فيها حياة أطفالنا. وأستغرب أننا لا ننظر لهذه الفترة الزمنية المهمة، بأنه امتداد طبيعي للمدرسة، والتعليم، والتثقيف، والرويح والمتعة.
ما زال لا يعجبني أن نسمي النشاط الذي يعيشه الطالب خارج الغرفة الصفية نشاطاً لا منهجياً، بل يجب أن يكون منهجياً، خاضعاً لخطط تراعي حاجات الطفولة النفسية والعقلية والعاطفية. فهل خططنا كيف سيقضي أبناؤنا هذه الصيفية الطويلة التي بدأت من أيام؟
.
أخاف عليهم من كل هذا الفراغ القاتل إن لم نملأه بالمفيد والممتع والمؤثر. أخاف عليهم من تطاير أيامهم دونما برمجة مدروسة. وحين نتركهم نهباً لشاشات التلفاز، يتسمرون أمامها يأكلون ويسمنون ويتكاسلون، أخاف عليهم من سجن شققهم الصندوقية، وأخاف أكثر حينما يتخذون من الشوارع ملعباً تنغصه عليهم السيارات وشتائم الجارات والمارة، أخاف عليهم حينما لا يجدون مكاناً نظيفاً قريباً يقضون أوقاتهم به، وحين لا يأخذون نصابهم الوافي المشبع من اللعب | .
البعض يعجل في إلحاق أبنائه بمراكز تحفيظ القرآن، وهذا عظيم ومفيد، ولكنه لا يكفي أبداً. لا يكفي أن تنقلب حياة الطفل إلى دراسة وحفظ وتلقين | . فمن المهم أن يلعب الطفل، أن يلعب ألعابه الفردية والجماعية، وأن يعيش بعض خيالاته وأفكاره وتصوراته، وأن يحيا طفولته، حتى لو كانت بعجن الطين. فاللعب جزء أساس من الحياة، ولنتذكر دائماً أن طفلاً ينشأ بلا لعب، سيصبح مشوش الشخصية | .
حدائقنا العامة قليلة؛ لأننا ركزنا على زراعة الحجر والشوارع ونسينا أن نحسب حساب الطفولة واحتياجاتها، وفي هذه الحدائق، ما زلت ألاحظ الآباء وهم يجلسون بصرامة مفتعلة يراقبون أبناءهم بملل وتكشير، وكذلك الأمهات المنكمشات المنقبضات، وهن يحسبن بالثواني موعد إغلاق الحديقة، كي يسترحن من هذا الهم الذي يسمى لعبا.
دعوهم يلعبوا ويمرحوا ويتعلموا، دعوهم يعيشوا وقتهم بصدق، فبهذا ننشئ جيلاً طيبا مكتمل النمو. وإذا كان من الجيد أن نوافر لأبنائنا وسائل اللعب والألعاب والأوقات، فإنه من الأجمل أن نشاركهم طفولتهم ونعيشها معهم، أن نلعب معهم أحياناً، ونشعرهم بأننا نقدر لهم هذه الأوقات التي يعيشون، وبهذا نصنع سعادتهم، وسعادتنا.
بقلم رمزي الغزوي
المراجع
addustour.com
التصانيف
صحافة رمزي الغزوي جريدة الدستور العلوم الاجتماعية
|