شمّع الخيط 

 

إذا كان حسن الخروج والتخلص مربوطاً بسل الشعرة من العجين، كما يصوره مثلنا الدارج، فدخول الحروب، وإشعالها في بيادر الآخرين، شيء آخر، لن يتمخض عنه خروج سهل وسلس. فالواحد قد يعرف كيف يبدأ حرباً، لكنه لن يحزر أبداً، كيف، ومتى ستنتهي هذا الحرب العقيم، التي لا تتناسل إلا حروبا وكروباً. فإن كان سحب شعرة من عجين، لا يترك أثراً يذكر، فإن دبق وعلق وحسك الحروب سيبقى ماثلاً يزيد الخسارة خسارة.

أما أؤلئك الذين يعتقدون أنهم أذكياء فوق العادة، وأنهم سيشمعون خيوطهم ويتخلصون من حربهم في أفغانستان بيسر إخراج شعرة العجين، فإنهم مخطئون، والثمن كان وسيكون أقسى ألف مرة مما يتصوره المتشائمون منهم. فعندما سطا لص على منزل رجل نساج، كما تروي حكاية من التراث العربي، لكنه وجد نفسه أمام صاحب البيت، وسيفه المشهر، فما كان منه إلا أن قال متحججاً: يا رجل والله ما جئتك سارقاً، ولكني جئت ناصحاً ومعلماً، فرد عليه: وكيف جئتني معلماً يا أثول؟، فأخرج اللص من جيبه قطعة شمع، وقال إن خيوطك ليست متينة، ولا قوية كما ينبغي، وأردت أن أعلمك كيف تشمع هذه الخيوط، لتصبح متينة شديدة لا تقطع.

مسك اللص رأس خيط من الخيوط، وأمر صاحب البيت أن يمسك رأسه الآخر، ثم شده وأخذ يمرر قطعة الشمع عليه ذهاباً وإياباً، وشيئا فشيئاً انسل اللص من عتبة البيت، وكأنه يشمّع باقي الخيط، حتى خرج للشارع، فولى هارباً قانعاً من غزوته بالسلامة، وتصحو الزوجة على زوجها المغبون، الذي لم يزل ممسكا طرف الخيط، فتضحك، بعدما قص عليها الحدث، وتقول كلمتها التي جرت مثلاً: يا خايب، لقد ضحك عليك الحرامي: (شمّع الخيط، وفل)، الله لا يعطيك عافية.

الخيوط التي ستتحجج بها الولايات المتحدة للخروج من أفغانستان كثيرة وطويلة وملونة، ومنها ما هو مثير لسخط، ومنها ما هو مثير للضحك، لكن في حال من الأحوال، لن ينطلي على الرأي العام العالمي، أن أمريكا جاءت وفي نيتها أن تشمع خيوط الديمقراطية لهذا البلد، وأنها جاءت لتخرجه من الظلمات إلى النور، فالنتيجة شمس واضحة، لن يحجبها غربال الخزعبلات، ولن ينطلي أيضا على أقل المحللين والمراقبين ذكاء أن حيلة تشميع الخيوط، والخروج وترك هذا البلد بركانا تتقاذفه الحمم، هو من باب حسن التخلص والخروج المظفر المبين، والأمر ينطبق على العراق أيضاً.

 

بقلم رمزي الغزوي


المراجع

addustour.com

التصانيف

صحافة   رمزي الغزوي   جريدة الدستور   العلوم الاجتماعية