اختار الرئيس السوري بشار الأسد ان يبعث برسالة الى الادارة الاميركية واصدقائها عبر صورة جمعته مع قادة فصائل المعارضة الفلسطينية، وتحديداً فصائل المقاومة المسلحة. وتم اعلان اللقاء وتوزيع هذه الصورة على وسائل الاعلام، وكأن القيادة السورية تريد تذكير الادارة الاميركية بورقة سياسية تعتقد القيادة السورية انها ما زالت تملكها، ويمكن استخدامها في مواجهة الضغوط التي تمارسها واشنطن على دمشق.
لكن هذه الورقة لم تعد كما كانت بعد الهدنة وانسحاب الاحتلال من غزة، والأهم بعد الهجرة التي مارستها بعض قوى المقاومة من دمشق الى القاهرة حيث النفوذ، ولأن هذه الفصائل بدأت تشعر ان الرهان على دمشق يحمل نوعاً من الخطورة، بخاصة بعد ضياع الورقة اللبنانية من دمشق، بل وتحول بيروت الى اداة ضاغطة على القيادة السورية. وقد لا تكون قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري الا نوعاً من فتح الملف السوري في لبنان جزائياً وجنائياً، لخدمة الموضوع السياسي.
ومشكلة سورية في مواجهة الضغوط الاميركية مركبة؛ فخلال الأشهر الماضية ثم تفتيت العديد من الحصون السورية، اولها كان الملف اللبناني، الذي بدأ باحتجاجات وانتهى الى ما نشاهد. بل ان التحقيقات بمقتل الحريري وضعت حبلاً قريباً من الرقبة السورية، عبر الاعتقالات لقيادات الأمن اللبناني الموالين لسورية، ووصول التحقيقات الى داخل البيت السوري.
وثاني عمليات التفتيت كانت عبر الهدنة والتطور على الساحة الفلسطينية. وقد ادى هذا الى سحب البساط من تحت اقدام دمشق لمصلحة القاهرة وقيادة السلطة. أما النوع الثالث من تلك العمليات، فهو المحاولات العديدة التي تقوم بها قوات الاحتلال الاميركي لتجفيف وجود المجموعات المسلحة التي تعتقد واشنطن انها تأتي من دمشق او تتلقى التسهيلات منها. وترى واشنطن ان دمشق اكثر المستفيدين من تصاعد المقاومة في العراق؛ فكلما زاد الضيق على اميركا في العراق ضعفت ادوات الضغط على دمشق.
كل هذه الامور ربما توقعها البعض، لكن ادارة سورية لهذه الملفات أدهشت اكثر المتعاطفين مع دمشق. فالانسحاب من لبنان بكل تداعياته تم بشكل مفاجئ بعد صمود نظري، وقضية التحقيق بمقتل الحريري واجهت مماطلة ثم فُتحت دمشق امام المحقق الدولي ميليس، وحتى الهدنة الفلسطينية الاسرائيلية حظيت بدعم سوري مع انها مقدمة لنقل الورقة الفلسطينية الى القاهرة.
المحور الأهم في ادارة سورية للضغوطات أنها لم تكن مثلما كان الأمر في عقود سابقة؛ فهناك استجابات سريعة وتنازلات غير متوقعة تأتي بعد خطاب صمود. وربما توقعت واشنطن ان يستغرق الامر وقتاً اطول، لكن الامور سارت بأسرع مما هو متوقع.
وحين يقف سفير واشنطن في بغداد ليعلن بدء نفاد صبر بلاده من سورية، فهذه رسالة تطلب من دمشق ان تكون طرفاً مباشراً ومؤثراً في حرب اميركا على قوى المقاومة العراقية. إذ لا يكفي ان تعلن دمشق انها ضحية للإرهاب عبر مواجهتها لمجموعات منسوبة الى القاعدة، بل المطلوب شراكة خالية من المماطلة والمراوغة.
دمشق تواجه ضغوط واشنطن، لكنها الآن بخيارات محدودة جداً. وحتى التحالف التاريخي بين دمشق-القاهرة-الرياض، لم يعد كما كان؛ فلكل عاصمة قضاياها. وما فقدته سورية من اوراق خلال الشهور الماضية يفرض عليها اعادة النظر في استراتيجيتها في العمل، فلم تعد صورة للرئيس الأسد مع قادة فصائل المعارضة الفلسطينية تكفي لمواجهة الضغوط الاميركية ولائحة المطالب. وقد يفرح بعض قادة الفصائل بمواقعهم في الصورة، لكن واشنطن لن تخاف منها. مع كل تعاطفنا مع الشعب السوري في مواجهة القادم من الأحداث.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة