خاتم العراق 

 

أيام الخير، كانت تشتعل في ليال رمضان العراق جولات شائقة من لعبة شعبية يحبها العراقيون كثيراً. هي لعبة (المحيبيس)، والمحيبيس هو الخاتم الذي بلا فص، أو الفتخة، واللعبة كانت تؤجج المنافسة المحمومة بين فريقين، يقوم الأول بإخفاء الخاتم، في قبضة من قبضات واحد من المتسابقين، ثم يأتي دور رجل من الفريق الثاني تكون مهمته إخراج الخاتم من مخبئه.

اللعبة تعتمد على الفراسة، وعلى تصفّح الوجوه، وقراءتها، وعلى استقراء الهيئة والملامح، وعلى ملاحظة أدنى التغيرات الطفيفة، التي تطرأ على من يخفي الخاتم في قبضته، وكم كانت دهشتي عظيمة، عندما كان يخرج المتباري الخاتم من بين أكثر من مئة رجل يمدون قبضاتهم المشدودة.

ولعبة المحيبيس تتشابه مع (لعبة الصينية)، التي كانت قديماً سائدة في قرانا الأردنية، حيث يخبئ الفريق الأول الخاتم تحت فنجان، ضمن عشرة فناجين مقلوبة على صينية واسعة، ومهمة الفريق الخصم إخراج الخاتم، بأقل عدد من المحاولات، بعد تصفح وتفرّس وجه اللاعب، الذي أخفى الخاتم.

تذكرت المحيبيس العراقي، على وقع مساحات الدم التي غطت أرض العراق، يوم أمس في إنفجارات متزامنة غادرة. تذكرت المحيبيس ولعبته، لأن السلام هو الخاتم الذي ما زال مفقوداًً في أرض السواد، السلام الكامن في إحدى القبضات المشدودة هنا أو هناك، في هذا البلد المبتلى منذ عقود. ذلك الخاتم الذي لم يكن يوما أمريكياً أراد العراق بلداً آمناً أميناً، لا تتطاير فيه عشرات الأجساد وتنداح الشلالات الحمراء مدرارة بطول العراق وعرضه؟.

لا الفراسة، ولا القيافة، ولا حتى الذكاء الطبيعي أو الصناعي كفيلة بإخراج خاتم السلام من مرقده البهيم، ذلك لأن القبضات التي يحتمل أنه مستقر بها لا تزداد يوماً عن يوم إلا شدة وغضباً، ليس لأنها تحتوي الخاتم الموهم، بل لأن هذا الخاتم، ربما لا يكون موجوداً في العراق. فاين هو؟؟.

عنت على بالي السهرات الرمضانية البهيجة في مقاهي بغداد، التي كانت عامرة بلعبة المحيبيس. حيث الخاتم الذي يظهر، ليبهج النفوس، ويثير التحدي. واليوم لا شيء بيدي إلا خاتم التمني، أن تعود ليالي العراق عامرة بالمسرات والخيرات، ومتختمة اصابعها بخاتم السلام والأمان. فالعراق لا يستحق هذا الذبح الرخيص البخيس. كفى.

 

بقلم رمزي الغزوي


المراجع

addustour.com

التصانيف

صحافة   رمزي الغزوي   جريدة الدستور   العلوم الاجتماعية