في الوقت الذي تحط فيه رحال وزيرة الخارجية الأميركية هيلري كلينتون في موسكو يسود اعتقاد بأن هذه الزيارة إنما تأتي في محاولة لجس نبض روسيا في ما يتعلق باستصدار قرار عقوبات جديد ضد إيران في حال لم يتم إحراز تقدم يرضي المجموعة 5+1 .
الزيارة الأميركية إلى موسكو تأتي بعد لقاءٍ جمع بين الوزيرة كلينتون والوزير البريطاني ديفيد مليباند حيث كان واضحاً أن هنالك نوعاً من الجهد يبذل للاستعداد لمواجهة ما يسميه المجتمع الدولي عدم التزام إيران بالشفافية في ما يتعلق ببرنامجها النووي.
الزيارة تأتي في سياق آخر مرتبط بالاجتماع الذي سيعقد في فيينا يوم الخميس 15 تشرين الأول(أكتوبر) الذي من المقرر أن يجمع إيران مرةً أخرى مع المجموعة الدولية 5+1 .
الإشارات الأولية تتحدث عن وضع سيناريو يتعلق بفرض عقوبات جديدة على إيران، وهو الأمر الذي يبدو أنه عنوان المرحلة المقبلة من التصعيد في ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني.
لقد كان واضحاً أن اجتماع جنيف أوائل شهر تشرين الأول (أكتوبر) قد ساهم في خفض درجة التوتر لا سيما بعد الحديث عن الموافقة الإيرانية المبدئية على نقل جزء من اليورانيوم منخفض التخصيب إلى روسيا ليتم رفع درجة تخصيبه، وإعادته إلى طهران للاستفادة منه في بناء مفاعل نووي لأغراض توليد الطاقة، وهو المقترح الروسي الذي يعود إلى أوائل 2007.
الموافقة الإيرانية التي يدور حولها الكثير من التكهن ينتظر أن تبحث تفصيلياً في اجتماع الخميس لا سيما أنه اجتماع ذو صبغة تقنية متعلق بتفاصيل تنفيذ المقترح الروسي الذي أعادت إيران تقديمه.
إن من الواضح أن قدراً من عدم التفاؤل ما يزال موجوداً لأنه كما يقال الشيطان يكمن في التفاصيل، بعبارة أخرى يبدو أنه ليس لدى المجموعة الدولية قناعات بأن إيران ستقوم بتنفيذ ما اقترحته بالشكل الذي يستجيب لمخاوف المجموعة 5+1 من هنا يبدو أن "دبلوماسية العقوبات" ما تزال هي الخيار لدى واشنطن تحديداً، وربما تسعى واشنطن لإقناع بقية الدول الأوروبية بها.
خيار العقوبات يبدو مرتبطاً بالموافقة الروسية بشكل كبير، روسيا التي تقوم ببناء مفاعل بوشهر النووي في إيران، روسيا التي يفترض أن ينقل إليها اليورانيوم الإيراني مخفض التخصيب أو بعض كمياته لأغراض رفع مستوى التخصيب، روسيا أيضاً المهمة لدى أوروبا في ما يتعلق بتصدير الغاز، روسيا كذلك التي ربحت دبلوماسياً بسبب وقف برنامج الدرع الصاروخي.
هذه القضايا سابقة الذكر تؤكد مركزية الدور الروسي في ما يتعلق بالخطوة القادمة نحو إيران. ويبدو أن روسيا غير متشددة في موضوع فرض العقوبات حتى كتابة هذه السطور، ولكن ربما تلجأ موسكو إلى البحث في تفاصيل مشروع العقوبات ومحاولة التدخل للتخفيف من حدته ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، وهو الأمر الذي يبدو أنه غير مقبول من واشنطن وبريطانيا وألمانيا.
فالعقوبات التي يتم الحديث عنها توصف بأنها مؤلمة وذكية، وهما مفردتان ربما يصعب فهمهما أو تحقيقهما. في هذا السياق يصعب تجاوز الدور الصيني الذي تسعى واشنطن وبعض الدول الأوروبية إلى ضمان إيجابيته في أي خطوة تتعلق بالعقوبات. وهذا يرتبط بفتح باب الاستثمارات الاقتصادية للصين وتزويدها بالطاقة لا سيما البترول، وذلك لمحاولة تخفيف قلقها في ما يتعلق باستمرارية حصولها على البترول.
إن الموقف -شبه المؤكد- بأن العقوبات عنوان المرحلة القادمة في ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني سيبقى مرتبطاً بنتائج التطورات السياسية التي ستنجم عنها كل التحركات الدولية، تلك التحركات التي يجري الجُل الأعظم منها خلف أبواب مغلقة، وما نشاهده بالحقيقة ليس إلا النزر اليسير!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  تصنيف محجوب الزويري   جريدة الغد