المتحزمون بحجر
ينفق العالم الأنيق الرشيق أكثر من مائة مليار دولار لمكافحة السمنة، ولإنقاص الوزن الزائد لكثير من بدناء الأرض ومترهليها ومترفيها، وأرجو أن لا يتأفف أحد من هول هذا المبلغ الصادم، ولا يتمنى أن ينفق على أولئك الجائعين على كوكبنا، والذين يعيش الواحد منهم على أقل من دولار يومياً، وهم يتجاوزون المليار إنسان، فهؤلاء يذهبون أدراج النسيان
.
وشاعت في العالم عمليات تصغير المعدة وتكبيلها، للذين يريدون إنقاص أوزانهم بسرعة بعيداً عن الحميات الحانقة، وبرامج الريجيم القاسية، ويُتخذ في هذه العملية حزام صغير، يقسم المعدة إلى قسمين، القسم الصغير يصبح مخصصاً لاستقبال الأكل، وبالتالي يضطر المريض للشبع سريعاً | ، فيرفع يده عن الطعام، الذي هو في غالبية الأمر، عادة وإدمان | | .
وكان يشيع في قديم الزمان، أن الجائع يشد حزماً متيناً حول معدته، وكأنه يخنقها ويضيق عليها ويلجمها، وهي بهذا تتلهى وتنسى الجوع، وكان إذا ما صار الحزام غير نافع تحت وطأة الجوع، فإن الجائع يتحزم بحجر، فهذا يكون أكثر نفعاً | .
وبذات الذكاء توصل العلم الحديث إلى طريقة لتخفيف تخمة ووزن العالم البدين، وذلك بخداع المعدة.. أجل المعدة تخدع | | ، وتتلخص الطريقة، بأن يزرع في البطن جهاز لا يزيد حجمه عن ساعة اليد، وتثبت أسلاكه على جدار المعدة ويتحكم بانقباضاتها عن طريق إرسال تيارات كهربائية تجعلها تنقبض، فترسل المعدة بدورها إشارة إلى الدماغ، تشعره بأنها وصلت إلى حد الإشباع؛ فيتوقف الإنسان عن التهام الطعام بطيب خاطر | | .
كم يحزنني أن تصرف هذه المليارات من أجل تحزيم ولجم المعدة، وهناك ملايين الناس تبيت طاوية يتحزمون بحزنهم وحجارتهم، ويتكورون على ذواتهم؛ من أجل قمع الجوع الكافر، فيما العالم المترف لا يمد يده من أجل عون هؤلاء، فحبذا فقط لو أن عمليات شفط الدهون من كثير من بدناء العالم، يتم ضخها إلى أؤلئك المصابين بسوء التغذية المزمن والهزل دائم | | .
يحكى أن واحدا من السحرة راهن قرية كاملة، على أن يملؤوا إناء كان معه، بما شاءوا من الأشياء، ففشلوا رغم ما ضخوه من ماء وقمح وطعام وأثاث وغيرها، حتى تنبه أحدهم إلى الإناء، فوجد عيناً مرسومة في قعره؛ فما كان منه إلا أن قبض حفنة تراب، وألقمها للعين المرسومة هناك؛ فامتلأ الإناء بسرعة | | .
مشكلة العالم لا تتلخص بحجم المعدة، أو تصغيرها وخداعها بالشبع الوهمي، مشكلة العالم المتحضر أنه يملك عيونا واسعة، مفتوحة بنهم لا تشبع، ولن يملأها إلا التراب | .
بقلم رمزي الغزوي
المراجع
addustour.com
التصانيف
صحافة رمزي الغزوي جريدة الدستور العلوم الاجتماعية
|