ادارة مسألة الاعلام في الاردن خلال السنوات الماضية احد المؤشرات على العمل بالقطعة ونظام المياومة. فقد اكثرنا، حكومات وهيئات واعلام، من التشخيص والتنظير والاوراق، لكننا نكتشف احيانا ان ما انجزناه محدود، وربما يعود الى اجتهادات بعض المسؤولين والمؤسسات, وليس نتيجة كميات الحديث والافكار والقوانين.
واحيانا نشعر اننا لم نضع ارجلنا على الطريق السليمة، او اننا نمشي خطوات الى الامام ثم نعود الى الوراء بسرعة قياسية، عبر تشريع او جمود. ولهذا، لا نجد تفسيرا او توفيقا مثلا بين الحماس الذي ابدته حكومات سابقة لفكرة المجلس الاعلى للإعلام بصيغته الاولى، ثم بعد تعديل مهماته، والآن توصي لجنة الأجندية بإلغاء المجلس! ومن ثم، نسأل ايهما مهم لتطوير الاعلام، المجيء بالمجلس ام التوصية بإلغائه؟!
وشهدنا في مراحل جدلا حول جدوى إلغاء وزارة الاعلام، ثم تم الغاؤها نظريا، لكننا ابقينا وزيرا في كل الحكومات مسؤولا عن ملف الاعلام، وله توقيع على معاملات دوائر الاعلام. كما صنعنا جزرا، يقال انها مستقلة، مثل دائرة المطبوعات، وهيئة المرئي والمسموع، ومجلس ادارة الاذاعة والتلفزيون ووكالة الانباء، وتم تعيين مجالس ادارة بتكلفة مالية لنقول انها مؤسسات مستقلة، وهو استقلال شكلي لأن كل الخيوط في يد الحكومات. فما تم انتاجه هو "تفريخ" هيئات ومجالس ومسؤولين ومكافآت، وبقي وزير الاعلام موجودا عمليا حتى وان لم يحمل اللقب رسميا.
ولنشاهد مثلا مؤسسة الاذاعة والتلفزيون التي تمثل احد معايير تطور الاعلام؛ فمنذ خمس سنوات او اقل تقلد موقع المدير العام ثلاثة مديرين وعدد من مجالس الادارة. وبغض النظر عن الاسماء والكفاءة، فهل من المنطق ومؤشرات التطوير ان يكون معدل عمر المدير العام عاما واكثر قليلا؟! وماذا يمكن لأي عبقري ان ينجز ويطور في فترات قصيرة مليئة بالتوتر والعمل اليومي؟!
العبرة في كيفية ادارة ملفات الاعلام، والهروب من الجوهر الى الشكليات، وبناء الهياكل واطلاق الاسماء والمسميات. فمعادلة الاعلام تحدث بها كثيرون، وما نحتاجه هو ارادة سياسية للانفتاح وتوسيع دائرة الحريات والاداء المهني في المؤسسات. ونحتاج الى تحديد هدف ورسالة واتجاه نذهب نحوه، وتحديد اولويات، وتدريب وتأهيل للكوادر الاردنية التي اثبتت كفاءتها في كل العالم، وتطوير المردود المالي لأهل الاعلام، وبخاصة الاعلام الرسمي حيث الرواتب المتدنية التي لا تجعل اي شخص يفكر كثيرا في الهجرة والبحث عن فرص اخرى.
ويحتاج الاعلام الى استقرار في اداراته، وان تكون معايير التعيين فنية مهنية. ومن المهنية ان يكون المسؤولون مؤمنين وقادرين على تقديم اداء سياسي وديمقراطي يخدم الدولة الاردنية.
الاردن لم يكون يوما فقيرا بإمكانات وقدرات ابنائه في كل المجالات، بما فيها الاعلام، لكن المشكلة الحقيقية في الرؤية والاداء السياسي للحكومات في ادارة ملف الاعلام. فالمشكلة لم تنته بايجاد المجلس الاعلى للاعلام ولن تعود بإلغائه، والإلغاء الشكلي لموقع الوزير لم يكن خطوة مؤثرة، وتكاثر الهياكل الادارية من مجالس ادارات لم يقدم اضافة نوعية في تطوير الاعلام.
وللإنصاف، فإن بعض المؤسسات الاعلامية الرسمية قد خطت خطوات معقولة؛ فقد شهدنا نقلات جيدة في وكالة الانباء الاردنية، وسقفا معقولا وحرية وحضورا للرأي الآخر في التلفزيون في مراحل مختلفة، وتم فتح المجال امام تراخيص اذاعية وتلفزيونية خاصة، وكل هذا موضع تقدير، لكن المشكلة في ان الحكومات ما زالت تعتقد ان التطوير يعني سلسلة تغييرات في الاشخاص والمواقع، وما زلنا نراوح الى الامام والخلف دون ان يكون لذهابنا في اي اتجاه رؤية متكاملة. لهذا، لابد من ان نعيد تقويم الخطوات، وان نحدد الاتجاه والآليات دون مبالغة في الشكليات او الهروب من الجوهر.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة