يذكرنا خبر انتحار وزير الداخلية السوري، والمندوب السامي السوري السابق في لبنان، بانتحار رئيس الوزراء السوري الاسبق محمود الزعبي الذي قيل انه اطلق النار على نفسه. وقتها لم يصدق الكثيرون حكاية الانتحار، كما هو الحال مع دراما انتحار غازي كنعان، بخاصة اذا ما كان الشخص المنتحر جدليا، بل ومفتاحا لاسرار وحكايات، وربما جزءا من بوابة بقاء او ذهاب مرحلة او نظام.
وحتى لو سلمنا انه اطلق النار على نفسه واختار ان يكمل شهر رمضان في العالم الاخر، فان هذا القرار لم يكن لانه على خلاف مع زوجته او مصاب باكتئاب، بل القصة مرتبطة بما يجري في لبنان، وتحديدا بملف اغتيال الرئيس الحريري وربما جرائم القتل المتتابعة، ولن يفهم احد القصة الا في سياق تداعيات الملف اللبناني.
انتحار كنعان او قتله يعني انه اختار الهروب، او اختار اصحاب القرار غيابه بكل ما يحمل من معلومات او ما يمثل من دلالات. والاهم، ان الانتحار مؤشر على ازمة داخل النظام السوري.
والانتحار قد يفتح الباب امام زيادة احتمالات ما يعتقده البعض مخرجا للنظام السوري من الازمة، التي نهايتها ضغوط اميركية وبدايتها ملفات داخلية واحتلال للبنان. والاحتمال الذي لا يستبعده بعض السياسيين ان يكون الخيار المشترك للنظام الحاكم والادارة الاميركية هو ان يجدد النظام قيادته، باستبعاد من هم على رأس مراكز القرار والدولة، والاتيان بقيادة جديدة تحافظ على استمرارية النظام، لكن مع فرصة كبيرة لتغيير في مسار الحكم وادخال البلاد في مستجدات المرحلة بكل تفاصيلها السياسية والديمقراطية، فضلا عن علاقاته الاقليمية، وتحديدا باتجاه العراق والاحتلال الصهيوني.
والخيار المطروح يشبه ما حدث في موريتانيا، حيث جدد النظام نفسه من داخله، وحافظ على علاقاته الاساسية الخارجية، لكنه صنع انفتاحا داخليا وازال الاحتقانات التي صنعها الحاكم السابق.
ومعلوم ان السياسة الاميركية، وحتى الاسرائيلية، تدرك ان حالة الهدوء والهدنة التي حافظ عليها النظام السوري عبر العقود هي اكثر أمنا من الحال مع دول اقامت معاهدات مع اسرائيل! فالجبهة السورية صامتة منذ العام 1967 لم تطلق منها طلقة واحدة باتجاه اسرائيل، ولم ينشأ في الجولان تنظيم مقاوم للاحتلال. كما ان قوات الاحتلال دخلت لبنان ووصلت الى مشارف الحدود السورية ولم تواجه بأي مقاومة او صدام مع الجيش السوري. ولهذا، فخيار تجديد الحكم من داخله للحفاظ على ثوابته (الايجابية!) من وجهة نظر الادارة الاميركية هو الخيار الاهم والافضل.
الضغوط الاميركية مرفوضة، لكن علينا ان لا نتجاوز الحقائق الهامة من ان ملفات سورية الداخلية المتراكمة منذ عقود، ;كانت السبب الرئيس في الوضع السوري، يضاف اليه الملف اللبناني الذي صنع العلاقة الحالية بين سورية ولبنان، وكل ما تفعله الادارة الاميركية انها تمارس استغلالا لكل هذا وتجيّره لخياراتها المستجدة.
لعل الخطأ الاستراتيجي للقيادة السورية الجديدة انها تدير علاقاتها مع العالم بذات التكتيك الذي مارسته القيادة السابقة. اما الجانب الآخر للخطأ، فهو محاولة الحرس القديم الناجحة للهيمنة وتوجيه الامور، وتهميش اي توجه اصلاحي للقيادة الجديدة.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة