مع صدور القرار 1803 القاضي بفرض حزمة جديدة من العقوبات على إيران، صدرت إشارات متعددة من طهران حول فكرة هذه المفاوضات. الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أكد في تصريحات له أن إيران بعد القرار 1803 لن تتفاوض إلا مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو تصريح لا يخفي خيبة الأمل من عدم أخذ الأوروبيين دورا لمنع قرار العقوبات الثالث، وعلى العكس من ذلك فهناك ثلاث دول أوروبية (بريطانيا وفرنسا وبريطانيا) كانت منشغلة في صياغة المشروع. لكن تصريحات أخرى جاءت من وزيري الخارجية منوشهر متكي وكذلك الناطق بلسان وزارة الخارجية الايرانية بأن النهج الإيراني فيما يتعلق بالتفاوض مع الأوروبيين لن يتغير، وان إيران ستبقي باب المفاوضات مع الأوروبيين مفتوحا. خافير سولانا كان قد صرح في بروكسل على هامش اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي بأن المجتمع الدولي عازم على إبقاء باب التفاوض مع إيران بشأن برنامجها النووي مفتوحا حتى رغم صدور القرار 1803، وان الأوروبيين سيستمرون في النهج الذي بدأوه مع إيران.
هناك مسألة في غاية الأهمية في نص القرار 1803 وهي المتعلقة باستمرار نهج الحوار بين إيران والمجتمع الدولي، وهو الأمر الذي يبدو أضيف بإصرار من روسيا والصين في محاولة أميركية لضمان صدور القرار 1803 بإجماع الأعضاء، وهو الأمر الذي حصل. الحديث عن التفاوض هو آمر ضروري لإبقاء الحل السلمي مطروحا، لكنه في ذات الوقت ليس إلى ما لا نهاية، وهو الأمر الذي تحاول الولايات المتحدة العمل عليه من خلال إبقاء الصبغة التصعيدية بشأن إيران وبرنامجها النووي وكذلك الأدوار الإقليمية التي تقوم بها إيران والتي ترى فيها الإدارة الأميركية بمثابة معوقات أمام السلام الإقليمي والدولي.
الحوار والتفاوض اليوم يعتبر أداة هامة في عالم العلاقات الدولية، وعند ما تختل موازين القوة يصبح هذا الحوار فيه فرض وإملاء من الأقوى على الأضعف. ما يحدث بالنسبة لإيران والاتحاد الأوروبي هو أن إيران ترى أنها تمتلك زمام المبادرة فيما يتعلق ببرنامجها النووي، وأنها قبلت بالمراقبة الدولية على منشأتها والاهم من ذلك ان برنامجها النووي لأغراض سلمية بدليل تقرير مجلس الاستخبارات الأميركية الذي أكد على توقف إيران عن أي نشاط نووي عسكري، وهو بالنسبة لإيران شهادة براءة لبرنامجها النووي ستبقى تستعملها لمواجهة السياسة الأميركية مستلهمة بالحكمة العربية "من فمك أدينك".
إيران أيضا مهتمة بأن تفوت الفرصة على الولايات المتحدة لتشكيل تحالف قوي ضدها، والقول "تحالف قوي" بالنسبة لي لا ينفي وجود تحالف لكنه يشهد تباينا شديدا بين أعضائه، ولان إيران تعمل وفق إستراتيجية قصيرة المدى فإنها تراهن على التباينات بإظهار بعض المرونة من جانب إيران قد تتطور إلى اختلافات وربما إلى عدم اتفاق، من هنا يصبح التفاوض له جدوى سياسية وإستراتيجية. بالنسبة إلى إيران أي تفاوض لا يضمن ضمانات أمنية من الولايات المتحدة مفيدة في تخفيف الضغط السياسي والبقاء على اتصال بالعالم، وهو هدف يخدم الإستراتيجية الإيرانية قصيرة المدى. عرضان مغريان تقدم بهما الاتحاد الأوروبي في الأعوام 2005, 2006 لتشجيع إيران على وقف برنامجها النووي، الأول تحدث عن نوع من الضمانات الأمنية وهو الذي لم توقعه الولايات المتحدة، والثاني خلا من العبارة التي تحدثت عن هذه الضمانات وهو الذي وقعته أميركا.
بالنسبة للاتحاد الأوروبية يحاول أن يظهر نفسه كلاعب مهم في مواجهة وحلّ الصراعات الدولية، وانه يعمل بعيدا عن المظلة الأميركية، هذا الأمر يبدو انه لا يتحقق بالنظر إلى انتقال الأوروبيين إلى لاعبين في فلك السياسة الخارجية الأميركية رغم التكلفة المادية التي سببته لهم هذه السياسة، فالمطلوب منه المشاركة المالية في بناء الدول الفاشلة والتي أصبحت كثرة بعد الحرب على الإرهاب.
ربما يستأنف التفاوض بين الاتحاد الأوروبي وإيران قريبا، لكن المهم ما هو الجديد الذي يمكن أن يقدمه الاتحاد لإيران لثنيها عن الاستمرار في برنامجها؟ كما أن المهم هو حجم التنازلات التي يمكن أن تقدمها إيران خلال فترة 90 يوما المعطاة بموجب القرار 1803؟ حيث يجب على الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تعد تقريرا جديدا حول أنشطة إيران النووية وعن مدى التعاون الإيراني في القبول بوقف تخصيب اليورانيوم.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة تصنيف محجوب الزويري جريدة الغد