إذا كنت لا أخاف على لغتنا من الاندثار أو الانقراض، لأن هناك لغة واحدة تنقرض كل يوم في العالم، بحسب إحصائيات لليونسكو.

إذا كنت لا أخاف ذلك؛ لأنها محفوظة مصانة، فإني في المقابل أرتعب من أن تتوسع مساحة تهميشها بعد تعالي الدعوات المغرضة لتمتين اللهجات العامية، في كثير من الدول العربية، أو مع شيوع تقليعة (الأربيزي)، التي تمزج الإنجليزية والعربية بسطحية وفجاجة.

الزميل د. غسان عبد الخالق، وضع يده على الجرح، في حفل جامعة فيلادلفيا بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية: يفكر العربي بالعامّية، ويتحدث بالعاميّة المفصّحة، ويكتب بالفصيحة، جرّاء ذلك الانفصام الحاد الذي قام في لحظة ما بين اللغة والحياة، فتوقف نمو معجم مفردات اللغة العربية عند عتبة القياس، والسماع المتوارث، ولم يعد قادراً أو قابلاً لاستدخال آلاف المفردات التي عجّت وما زالت تعج بها الحياة العامة ومستجدات العلوم والمعارف، إلى الحد الذي تجمد معه هذا المعجم وهنا مكمن علتنا.

الأصل في اللغة أن تعطى للطفل مع حليبه، ولهذا ما زلت أخصص وقتاً للحديث بالفصحى البسيطة، غير المقعرة مع أطفالي، بطريقة مرحة وأحياناً مسرحية، مع مراعاة نطق الحروف بشكل سليم، ثم زودتهم بأفلام الرسوم المتحركة، الناطقة باللغة العربية الفصحى، أو المبدلجة بها.

وقد لمست استجابة مدهشة (يشاركني هذه الملاحظة أصدقاء ومعارف كثر)، ولهذا صرنا لا نستغرب أن تنطق طفلتنا ذات السنوات الأربع بعض كلامها بصورة سليمة، وبمخارج حروف صحيحة.

ربما يحق لشعوبنا العربية المنشغلة بربيعها ألا تلتفت هذا العام لليوم العالمي للغة الأم، ولكننا في أعوم سابقة كنا منشغلين بهشاشة وسطحية الموضات، أو بصورة إعلانية تفتعل اهتماماً بيوم التصحر، وأيادينا ملطخة بدماء الأشجار، أو مشدوهين بخطب جوفاء تصدح من أجل رتق ثقب الأوزون المتفاقم فوقنا. لماذا نتناسى الأشياء الجوهرية في حياتنا؟.

أتمنى أن يمتد الربيع ويحي اهتمامنا بلغتنا العريقة. وأرجو أن نتذكر أننا دهشنا من متظاهرين في شارع وول ستريت وهم يرفعون شعارات باللغة العربية، منها (ارحل)، تيمناً بالربيع العربي.

فهل نلتفت لهذا الرمزية، ونتقدم بلغتنا التي تستقر في المرتبة الثامنة عاليماً.

نحتاج قرارات جريئة في مدارسنا وجامعاتنا وفي أنفسنا وبيوتنا. فلماذا نتبجح أن طفلنا ذا السنوات الثلاث يحفظ عشرات الكلمات بالإنجليزي، أو السيرلانكية أو الأندونيسية، في حين لا نشغل أنفسنا بالحديث معه بلغة عربية سليمة، لتنمو هذه اللغة في نفسه. هي دعوة أن نتواصل مع أطفالنا بالفصحى، حتى وهم على قيد الرضاعة.


المراجع

addustour.com

التصانيف

صحافة   رمزي الغزوي   جريدة الدستور   العلوم الاجتماعية