احدى سمات الحياة السياسية الاردنية سرعة الضجر والملل من الحكومات والمسؤولين، والمطالبة بالتغيير والتبديل. وجزء من اسباب هذا يعود الى الاعراف المتوارثة منذ عقود حول قصر عمر الحكومات، والتي لم تصل احيانا الى فترة حمل الجنين! ويعود هذا احيانا الى ضعف بعض الحكومات وتركيبتها غير المنتجة، او عجزها عن مواجهة الملفات والمشكلات الحقيقية وهروبها الى الشكليات، وربما احيانا استغراق بعض الحكومات في تجيير مسارها لمصالح ذاتية او حسابات انتخابية او جهوية.
ومن اسباب سرعة الضجر لدى النخب، القناعة والشعور بان سرعة او كثرة التغييرات قد توفر لهم الفرص للدخول الى عالم الوزراء او اصحاب الدولة، او أن يستفيدوا على الاقل من قوائم التعيينات في المواقع العليا التي تصاحب كل حكومة. ولهذا، تتناثر الاشاعات والتحليلات حول كل حكومة بأنها "ذاهبة" وان هناك تغييرا قادما، واحيانا تصدر هذه الاشاعات لغايات جس النبض، او كما يقولون "لحرق" فرصة البعض! فخصوم سياسي قد يطلقون اشاعة حول قرب تكليفه بتشكيل حكومة لغايات تفويت الفرصة عليه، والبعض يفهم اشارة سياسية او اجتماعية على انها مؤشر تشكيلة حكومية. وهكذا، فالامر متكرر مع كل حكومة.
واحدى افرازات سرعة التغيير، وبخاصة في مراحل اخيرة، اننا شهدنا انخفاضا لقائمة المواصفات والمعايير لبناء الحكومات بكل مفرداتها، بحيث اصبح الناس يتوقعون انخفاضا لهذا المواصفات من حكومة لاخرى. وهذا الامر يختلف عن ظهور حكومة عادية او ضعيفة في مرحلة ما بحكم ظرف طارئ، ولهذا فقد اصبح هذا التخوف موجودا مع قرب تشكيل اي حكومة، وحتى مع اشاعة حول تغيير.
والامر الاخر، ان الفروق الجوهرية بين حكومة قادمة واخرى موجودة لم تعد قائمة! فالبرامج عادية، والبيانات الوزارية مكررة تبعث على الملل، بل اصبحت تشبه الخطب العثمانية التي يرددها خطباء في بعض القرى العربية، والاهم ان الدهشة لدى الاردنيين زالت عند اي تغيير او تعديل، بحيث لم يعد الناس ينتظرون جديدا او يتوقعون تغيرا ملموسا؛ فمن يخرج في التعديل يعود في الحكومة الجديدة، بل ان بعضهم خرج في تعديل ثم عاد الى نفس الحكومة في تعديل اخر، وهذا ما لا يحدث حتى ضمن قوانين لعبة كرة القدم!
وبعيدا عن اي حكومة او اي اشاعات، فإننا نتمنى وندعو الله ان لا يحدث اي تغيير او تعديل الا اذا كان يحمل جديدا حقيقيا قابلا للقياس. ولا حاجة لاي حكومة جديدة في اي مرحلة اذا كان الناس سيذكرون سابقتها بالخير بعد حين! ولا حاجة للاردن واهله بحكومات "تجرب" حظها وقدراتها؛ فإذا لم تكن حكومات قادرة قوية وفق مواصفات عالية، فان فكرة التغيير لم تعد مطلوبة الا للطامعين والخصوم لاي حكومة قائمة. لكن بالنسبة للناس فان الجميع سواسية، واذا لم تحمل اية مرحلة حكومات تبعث التفاؤل في نفوس المواطنين بإمكانية التغير، فان استمرار اي حكومة سنوات وسنوات ايجابي، لان البدائل لن تكون اكثر كفاءة، والاهم اننا سنوفر على الخزينة تبعات مالية مع اي تغيير، وسنوفر على المجتمع مزيدا من الضخ لحملة الالقاب.
اذا كانت كل الحكومات متشابهة، فلنترك للقدر وحده التغيير. اما مشاهد اداء القسم كل عام او عامين، وتعديلات على حكومات غير مفهومة وغير مدهشة فهي امر لم يعد مطلوبا الا لفئة قليلة جدا.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة