ظروف واسباب عديدة ساهمت في الحاق الاذى والظلم بفكرة ومخرجات لجنة الاجندة الوطنية, لعل منها التركيز فقط على بعض القضايا السياسية وتوصيات قطاع الاعلام, بل انها اخطأت حين وضعت نفسها في مواجهة الصحافة والنقابة والمجلس الاعلى بتوصية الغاء العضوية الالزامية.
ومع ذلك فان في مخرجات هذه اللجنة امورا مهمة يمكن ان تشكل ارضية لمسار ايجابي للحكومات الاردنية, وحتى على صعيد قانون الانتخاب فان اللجنة نجحت في ان تجعل فكرة النظام المختلط ما بين الصوت الفردي والقائمة امرا محل اجماع وتوافق، وهذا يمكن اعتباره نجاحا معقولا يمكن البناء عليه.
في تفاصيل مخرجات اللجنة وتوصياتها امور كثيرة على صعيد الاقتصاد والتعليم والبطالة والفقر والطاقة يمكن الانطلاق منها ليس لتحقيق المعجزات بل للعمل وفق رؤى اكثر تحديدا, وعلى قاعدة من التفكير متوسط المدى، او على الاقل التنسيق بين وزارات وهيئات بعض القطاعات لانجاز عمل وطني, انها باختصار محاولة جادة تفصيلية فنية تستحق ان تحظى بالدراسة وأن تستفيد الحكومات منها. وما نقوله لا يعني ان الاجندة مسلمات وبديهيات، بل هي ارضية للعمل والتنفيذ والتفكير، وكثير من المعطيات يجب ان تراجع ويعاد تقييمها ما بين عام واخر في ظل المستجدات.
ما يلفت الانتباه ان الاجندة تتضمن اليات للرقابة والمساءلة لاداء الوزارات, اي ان الوزير يخضع لمتابعة في تنفيذه لخطة وزارته او ما يتم اقراره من توصيات الاجندة. وهذا يعني ان هناك امكانية لتقييم اداء الوزارات بشكل علمي, فالامر لن يكون خاضعا لاجتهادات كل وزير او قدراته المحدودة او المبدعة، ولهذا يمكن الحكم على انجاز الحكومات دون الحاجة الى البلاغة والانشاء وحملات التسويق.
لكن امام الاجندة طريق وعر حتى تحظى بمصداقية لدى الاردنيين الذين لم تعد تغريهم الاوراق والوثائق والتوصيات, وغرفوا في امواج التفاؤل المصطنع والتسويق غير الموضوعي لافكار وقضايا لم يجدها الناس على الارض أمرا واقعا. وأول ما يمكن ان يحقق بدايات الاقناع ان تبنى خطوات كبيرة على الاجندة تكون مؤثرة.
لهذا فلا بد من ظهور قانون انتخاب معقول قادر على ان يكون عنوانا لبداية مجلس نواب سياسي, ولا بد ايضا من قانون احزاب جاد وحازم وديمقراطي يعطي الاحزاب الجادة فرصة للحياة ويدعم حقها في النمو, ويتعامل مع التجارب الحزبية الكوميدية بشكل جاد بعيدا عن الشكليات.
ولا بد ايضا, وهذا ما يعتقده بعض قادة الاجندة, من قانون اصلاح ضريبي, يحقق عدالة ضريبية, بحيث يقضي على كل الثغرات القانونية والسياسية التي تساعد بل تشجع على التهرب الضريبي, ويعيد صياغة الضريبة بكل انواعها بحيث يدفع اصحاب الدخول الكبيرة والثروات ما عليهم من ضرائب وليس كما هو الحال الان من خلال الاستقواء على اصحاب الدخل المحدود عبر ضريبة المبيعات، فمن يبيع ارضا بالملايين لا يدفع ضريبة دخل عليها، اما من يشتري قلم رصاص وعلبة حليب فيدفع ضريبة المبيعات.
الأهم من ذلك أن يأتي "عهد الاجندة" بسياسات مقنعة سواء في اسس اختيار اهل المواقع السياسية في كل المؤسسات (في مجلس الاعيان، الحكومة، الديوان الملكي)، وان يشعر الاردنيون ان عملية التغيير في اي موقع لها دلالة وفيها رسالة, وليس كما هو الحال احيانا حيث تأتي بعض التعيينات متناقضة, فبعضها نوعية منتجة، واخرى غير خاضعة للتفسير.
وحتى لو ذهب التفكير الى اعادة بناء المؤسسات السياسية في السلطتين التنفيذية والتشريعة, فالاهم ان يكون الامر معبرا ومبنيا على تشريعات ديمقراطية جديدة, وعلى اسس يمكن تفسيرها ايجابيا, والا فان طريق الاجندة والاصلاح مسدود.. مسدود, وستلحق هذه الاوراق الجميلة بأخواتها في مربع هدر الوقت والجهد والمال.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة