رد لم يتأخر كثيرا حول العلاقة الأميركية الإيرانية، لكنه جاء هذه المرة من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي.
خامنئي تدخل هذه المرة ليظهر موقفه - وذلك في خطاب جماهيري ألقاه  أمام أساتذة وطلبة جامعيين في مدينة يزد (وسط إيران)- من جملة من القضايا التي تتفاعل داخل إيران وكذلك سياسة إيران الخارجية.
القضية الأبرز تكمن في موقفه من استئناف العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية. خامنئي أكد على أن عداوة أميركا للشعب الإيراني نابعة من عداوة مع "ثوابت إيران وأنها وجدت مع قيام الثورة"، مذكرا في ذات الوقت أنه لم يقل بأن العداوة مع أميركا ستستمر إلى الأبد - وكأنه يرد على ما قالته وزيرة الخارجية الأميركية بأن ليس هناك عدو دائم للولايات المتحدة الأميركية-. لكنه في ذات الوقت يرى أن إعادة العلاقة مع واشنطن في هذه المرحلة تضر في إيران، وقد تستخدمها واشنطن للنفوذ والتجسس.
هذا التقييم يأتي على خلفية كثير من الانتقادات التي وجهت لسياسة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد الخارجية، التي اتهم فيها من قبل بعض الإصلاحيين بأنه يعرض مصالح إيران للخطر من خلال مساعدته لدول العالم للالتفات حول أميركا ودعم واشنطن لحشد مزيد من الدعم الدولي في سياستها ضد إيران.
واستطرد خامنئي مؤكدا أن ما قامت به حكومة الرئيس أحمدي نجاد من إعلان حول زيادة المسارعات إلى 3500، وكذلك تطوير قدرة إيران الصاروخية، مما قلل من احتمالية تعرض إيران لهجوم أميركي.
القضية الثانية التي لوح بها المرشد الأعلى هي حضوره القوي في عملية اتخاذ القرار بشأن الملف النووي الإيراني، وأنه شخصيا كان من وجّه الحكومة الإيرانية، عندما جاء الرئيس أحمدي نجاد، باستئناف عمليات تخصيب اليورانيوم، وانه كان قد نبه حكومة الرئيس السابق، محمد خاتمي، من خطورة وقف التخصيب؛ ذلك لان الأوروبيين سيستخدمونه لوضع مزيد من الضغط على إيران، معتبرا أن خطوة وقف التخصيب كانت "تراجعا أمام ضغوطات العدو".
هذا التلويح يعكس مدى القوة التي يتمتع بها مرشد الثورة في النظام السياسي الإيراني، التي تعاظمت مع فوز الرئيس أحمدي نجاد الذي يدين بالتبعية لنهج مرشد الثورة المحافظ جدا.
هذه التصريحات ربما تعطي انطباعا عن النهج المتشدد الذي ستبديه الدبلوماسية الإيرانية في الجولات القادمة من التفاوض مع الدول الأوروبية حول ملفها النووي.
القضية الثالثة التي أراد مرشد الثورة الإيرانية أن يوجهها للداخل الإيراني تتعلق بدعم سياسات الرئيس أحمدي نجاد، ويبدو أنها محاولة من خامنئي للتخفيف من وطأة الانتقادات التي وجهت لسياسات الرئيس الاقتصادية وجولاته في المحافظات الإيرانية، التي اعتبرها خامنئي "موضع تقدير" وذلك لاقتراب الحكومة من هموم الناس ومشاكلهم. فخامنئي اعتبر أن المنتقدين غافلون، ويخدمون مصالح "الأعداء" الذين يحاولون الاستفادة من الحملات ضد حكومة أحمدي نجاد وضد إيران.
إن الموقف الداعم الذي تبناه مرشد الثورة الإيراني يظهر من جانب جدية الأزمة التي تتعرض لها حكومة الرئيس أحمدي نجاد، والتي استدعت تدخل خامنئي "لإسعافها"، كما انه رسالة للعالم بأن صاحب الكلمة الأخيرة هو المرشد، وأن عليهم أخذ موقعه على محمل الجد، وهو الأمر الذي أدركه بوتين عندما زار إيران في خريف 2007، حيث قدم ما سمي بأفكار حول الملف النووي الإيراني إلى المرشد شخصيا.
من جهة أخرى؛ فإن التأكيد على أن العلاقة الأميركية الإيرانية معقدة كان واضحا، وان إيران متأكدة من تراجع احتمالات المواجهة العسكرية، لكن بالنسبة للنظام السياسي فإن حالة العداء قائمة. وهو الأمر الذي أكده الرئيس بوش في تصريحاته حول جولته الشرق أوسطية معتبراً أن أهم أهدافها العمل على "احتواء النفوذ الإيراني".
إن التصريحات القادمة من طهران وواشنطن حول علاقات البلدين ربما تذكر أن تقرير مجلس الاستخبارات الأخير حول تجميد إيران برنامجها النووي ذي الطابع العسكري عام 2003 لن يغير من طبيعة التوتر بين البلدين، وأن هناك ملفات أخرى بين البلدين، لا تقل أهمية عن الملف النووي تتعلق بتعاظم قوة الحرس الثوري، وبتطوير منظومة الصواريخ البالستية الإيرانية متوسطة وبعيدة المدى، إضافة إلى المخاوف من التمدد الإقليمي على حساب المصالح الأميركية، وهي مسائل ما تزال موضع جدل واختلاف وسببا للخصومة وربما المواجهة!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  تصنيف محجوب الزويري   جريدة الغد