معظم الدول تفضل وتمارس معادلة عكسية بين الأزمات والحريات الإعلامية، لكننا في هذا الظرف المؤقت الذي فرضته الهجمات العدوانية في عمان، نطالب بدعم اكبر وحقيقي للإعلام الاردني المهني، والسبب ان إعلامنا بكل مؤسساته، والاعلاميين الاردنيين في كل مواقعهم، مارسوا دوراً وطنياً واخلاقياً رفيعاً، وكانوا صوتاً اردنياً الى جانب كل جهد سياسي وامني.
ومن نافلة القول الحديث عن دور الإعلام داخلياً وخارجياً؛ فالإعلام صاحب المصداقية جيش حقيقي. ومشكلة الحكومات الحقيقية ليست مع المؤسسات الإعلامية الأردنية، حتى وان مارس بعضها دوراً ناقداً او معارضاً لسياسات واجراءات. وإذا توافرت البنية الوطنية التحتية في الإعلام والانتماء الصادق، فإن اي موقف من حكومة او سياسة او قانون او ممارسة هو جزء من الأداء الوطني. اما في الازمات، فكلنا عسكر بالمفهوم الوطني للمصطلح، واللسان واحد دون توجيهات او تلقين. بل ان الاعلامي او الصحافي صاحب الثقافة والعمق السياسي والموقف، هو القادر على ان يخدم الدولة خدمة مهنية؛ والاعلامي او المؤسسة ذات المصداقية هي التي تُفتح لها الآذان والقلوب. ولهذا، فإن اول درس في هذا الظرف هو ان تعيد الدولة النظر بما لم يكتمل على صعيد رفع سوية الإعلام الرسمي والخاص.
وبالمناسبة، فإن الموضوعية تقتضي الاشارة الى الجهد الملموس والمهنية التي تعامل بها التلفزيون الاردني مع الحدث، لكن ما يحتاجه التلفزيون هو الدعم المالي، ليس لشراء سيارات فاخرة بل مستلزمات ضرورية. فهل نتصور ان السماعة التي في اذن زميلنا محمد الوكيل اثناء التغطية "خربانة"، وان صلته مع المخرج تنقطع لعدم توافر الامكانات؟! واذا انقطع "كيبل" لبث خارجي وقع التلفزيون في مأزق! وعدد الكاميرات محدود، وربما لا يتجاوز 9 كاميرات! وهكذا، فمن اراد مؤسسة قوية فعليه ان يعطيها دعماً مالياً، وموازنة لا تزيد على 13 مليون دينار سنوياً، معظمها للرواتب، لا تصنع مؤسسة قوية، فبعض الفضائيات تنفق هذا المبلغ في شهر او اقل.
يحتاج الاعلام الرسمي من الحكومة ان يحظى بالمكانة في الاحداث، اي ان يعطى المعلومة الحقيقية وبسرعة. فقد اعتدنا في احداث عديدة ان يطلب من التلفزيون الصمت والاستمرار ببثه المعتاد فيما الاحداث الهامة تجري في عمان، ليقوم مسؤول بتسريب المعلومة الى احد اصدقائه من مراسلي الفضائيات او وكالات الانباء. وقد عرفنا مراحل كانت الوكالات تتحدث عن تعديل او تغيير وزاري، بينما التلفزيون الأردني مغيب، ليس لنقص قدرات كادره بل لانه ممنوع من الحديث، وتحجب عنه المعلومة.
عندما يكون الاعلام متوافقاً مع نفسه يحافظ على ثوابت الدولة بفطرية وتلقائية، ولا نكون بحاجة إلى معادلة لضبطه، فمعادلة الحرية مع المسؤولية متحققة. بل ان الاعلام يحتاج الى الحد الاقصى من الحرية والمعلومة والمصداقية ليخدم الدولة ويدافع عن ثوابتها، تماماً مثلما هو اعلامنا في هذه المحنة. فكل الاعلام، وكل البيانات والتصريحات كأنها تكتب من شخص واحد، ليس على طريقة البعض في العمل تحت عباءة ضابط واحد، بل لانها تعبر عن صدق حقيقي وقناعة بالدفاع عن الاردن وأمن كل الاردنيين.
مزيد من الرعاية والحرية للإعلام الاردني، فهذا الجيش الذي يحمل رسالة صناعة الرأي العام سلاح الدولة وسندها، لكنه بحاجة دائماً الى ان يمتلك ويعزز مصداقيته حتى يكون اعلاماً، والا كان شيئاً آخر.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة