تضمن الخطاب الحكومي خلال الاشهر الاخيرة مقولة اقتصادية بأن العام القادم سيكون عاما ماليا واقتصاديا صعبا وشاقا على الدولة الاردنية، وانه سيحمل محطتين من رفع اسعار المشتقات النفطية في شهري اذار وايلول القادمين، وان هذه الصعوبة والمشقة ستنتهي "نظريا!" في موازنة العام 2007، إذ سيكون شهر اذار من ذلك العام المحطة الاخيرة في رفع الاسعار وتحريرها، بحيث تنزع الحكومة يدها من اي دعم للمواد النفطية.
وحديث الحكومة عن العام الشاق ماليا يرافقه تفاؤل بان الاعوام اللاحقة ستكون ايجابية على الاقتصاد الاردني. ويمكن النظر إلى هذا التفاؤل من زاويتين: الاولى، محاولة تسويق وتمرير القرارات الاقتصادية المتوقعة والمنتظرة، واقناع الناس بان تحرير الاسعار وازالة اعباء الدعم عن الموازنة سيعطي دفعة اقتصادية ومالية؛ والزاوية الثانية، ان هذا التفاؤل مبني على رؤية سليمة وتقديرات علمية، وان ما بعد العام القادم سيحمل خطوات ايجابية على الاقتصاد الاردني، وهذا ما نتمناه.
لكن خلاصة تجارب الاردنيين مع الحكومات وسياساتها الاقتصادية لم تترك مجالا او هامشا واسعا للمصداقية العالية؛ فخلال عقد ونصف من السنوات، سمع الاردنيون كل صيغ المبالغة والتسويق والترويج للمستقبل الزاهر ومؤشرات النمو وارقامه، لكن كل هذا لم يمنع من رفع الاسعار وانخفاض مستوى المعيشة، ولنكتشف عاما بعد عام ان لا جديد! ولهذا، فان على اي حكومة، بما فيها الحكومة الحالية، ان تبذل جهدا غير عادي في اقناع الاردنيين بان المسافة بين المشقة والوضع الاقتصادي المعقول ليست اكثر من سنة مالية واحدة، وان حمل اعباء العام الصعب جهد وطني للمرور الى الاعوام السهلة.
 البحث عن المصداقية امامه عقبة حملتها وصنعتها موازنة العام الحالي، فقد اصبح حديثا محل اجماع، من الحكومة وخارجها، ان هذه الموازنة تضمنت تضليلا قصير الامد، هدفه الاساسي "تفصيل" ارقام للعجز وفق شروط ومطالب البنك وصندوق النقد الدوليين، وهو ما جعل الموازنة تحمل تقديرات بمنح ومساعدات خارجية غير مسبوقة، وصلت الى مليار و60 مليونا! وهذه المبالغة جاءت لتصنع عجزا وصل الى 3.3%، مع انه كان قبل المساعدات 16%! كذلك، فإن الموازنة لم تحمل رصدا لدعم الحبوب والاعلاف، ويبلغ 55 مليون دينار؛ كما انها قدرت سعر برميل النفط بحوالي 42 دولارا، دون حساب للمخاطر وتقلبات السوق! كل هذا، وليس فقط ارتفاع اسعار النفط عالميا، ساهم في ان تجد الحكومة نفسها امام عجز بمئات الملايين من الدنانير، وبنسبة تتجاوز كثيرا النسبة النظرية التي كانت في قانون الموازنة.
نسمع حديثا واقعيا من اصحاب القرار المالي في الحكومة، وهناك تقديرات واقعية عملية للمساعدات والمنح وارقام العجز المتوقعة، وربما كان على الحكومة ان تذهب باتجاهات مجدية لتجاوز سلبيات التخطيط المالي عبر تحسين الايرادات، وبخاصة الضرائب المستحقة للدولة، وكذلك امتلاك سياسة ترشيد وتقشف تتناسب مع وصفها للعام القادم بانه عام صعب. فالحديث عن ترشيد وصل الى 20 مليون دينار، وهذا ليس كافيا، بل وتكشف ابسط اشكال الترشيد التي اعلنتها الحكومة بشأن سيارات الوزراء عدم الالتزام، وما على اي متابع الا ان يدخل مواقف سيارات رئاسة الوزراء ليشاهد السيارات الحديثة والمتنوعة للوزراء، فكيف سيكون الحال مع بقية اشكال الترشيد؟
استحقاقات العام الصعب ليست فقط على المواطنين، بل يجب ان تكون على الجميع، وان يكون لدى الحكومة برنامج واضح لزيادة المساعدات والمنح، وزيادة ايراداتها التائهة، وبرنامج تقشف حقيقي لدى من ينفقون من الاموال العامة، وموازنة خالية من المبالغة. فما ارادت الموازنة الماضية قوله للمؤسسات الدولية انكشف بعد اشهر، والتي تبين لها ان العجز ليس 3.3% بل اضعاف هذا الرقم، لكن من دفع الثمن هم الاردنيون الذين تحملوا ذلك على حساب مستوى معيشتهم، وقدرة رواتبهم على تأمين متطلبات الحياة.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   سميح المعايطة