حديثنا اليوم ليس مباشراً عن الارقام التي حصلت عليها الحكومة في استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية الذي اعلن قبل اسبوع تقريباً، لكن هذه الارقام -حتى وان اختلفت من حكومة لاخرى- تظل تحمل مؤشرات عامة، وهي مقدمة لقراءة الصورة السياسية الاجمالية.
ووفقا للاستطلاع، سجلت الحكومة رقما قياسياً في تقييم الاردنيين لها بانها "لم تنجح" في معالجة القضايا الكبرى. ففيما حصلت الحكومة في استطلاع "المائة يوم" السابق على نسبة 11% في توقع عدم نجاحها، ارتفعت هذه النسبة في الاستطلاع الأخير الى 24%، وهو ما يعني انها لم تفعل شيئاً لتطوير ادائها، بل استمرت صورتها غير الايجابية في الانتشار وبشكل متسارع.
والرقم القياسي الاخر للحكومة يظهر في انها تفوقت على الحكومات الثلاث التي سبقتها في النسب المنخفضة، فحصلت على ادنى نسبة تقييم ايجابي مقارنة بتلك الحكومات، كما انخفضت نسب التوقعات بامكانية معالجتها للمشكلات الاساسية. وبشكل اكثر تفصيلاً؛ فان رئيس الحكومة، كما فريقه الوزاري، حصل على ادنى نسبة تقييم ايجابي مقارنة بمن سبقوه منذ العام 1999! ورغم بعض التحسن الطفيف، الا ان الحكومة بقيت اقل من الحكومات السابقة بحوالي 6-10 درجات! ولا يغير من جوهر هذه النسب بعض الارقام غير المعبرة، مثل دعم الحكومة للشعب الفلسطيني، فالعبرة في اداء الحكومات وانجازاتها على صعيد القضايا المحلية والمشكلات الكبرى.
لكن هذه الارقام والنسب قد تجد تبريراً من الحكومة بانها نتيجة لرفع اسعار المشتقات النفطية مرتين خلال شهور الحكومة القليل، وانخفاض مستوى معيشة الناس؛ لكن الحكومة هي من فعل ذلك، والناس في عهدها تضرروا من رفع الاسعار الذي لم يخفف منه الزيادة الرمزية على رواتب بعض فئات العاملين والمتقاعدين في اجهزة الدولة.
البدهيات تقول ان استطلاعات الرأي ليست قناة او اداة دستورية لتحديد اعمار الحكومات ورحيلها او استمرارها، لكن يجب على الحكومة أن ترى في هذه الاستطلاعات مرآة او انعكاساً لجهدها، مع ان اداء اي حكومة ورأي الناس فيها واضح، ولا يحتاج الى ارقام ونسب.
الحقيقة الاهم تتمثل في زيادة واتساع الفجوة بين الاردنيين والحكومات، وهي فجوة تتسع ايضاً بين الاردنيين ومجلس النواب، كما اظهر استطلاع آخر سابق لمركز الدراسات الاستراتيجية؛ اي ان هناك مشكلة في علاقة المواطن مع هذه المؤسسات، ولهذا اسباب عديدة قد يكون من اهمها ان اسس بناء الحكومات يحتاج الى اعادة نظر، ليس فقط على اسس سياسية بل في مواصفات الرؤساء والوزراء، وقدرة الحكومات على الانجاز والحضور الايجابي في حياة الناس وقضاياهم الكبرى. فالحكومات تأتي باجراءات ادارية واجتماعية لاشخاصهم، وهم إذ يصبحون من حملة القاب المعالي فإنهم لا يقنعون احداً بقدراتهم ولا يقتربون من الناس، الا ضمن مناسبات برتوكولية او عبر الاعلام. انها علاقة باتت بحاجة الى اعادة بناء بين الاردنيين وحكوماتهم، كما هي العلاقة مع النواب الذين يتحول معظمهم الى موظفين رفيعي المستوى، الأمر الذي يلحق الضرر بهيبة المؤسسات ونظرة الناس اليها.
الحكومة ستبقى كما الحكومات السابقة حتى انتهاء عمرها السياسي، لكنّ للحكومات اعمارا اخرى لدى الاردنيين، وصورة وحضور غير خاضعين لاي تجميل. ولعل ما يمكن لاهل الفكر والسياسة فعله هو البحث عن وسائل لاعادة دور الحكومات لدى الشارع، فالعبرة ليست في التغيير والتبديل والتعديل، فكل هذا في نظر الاردنيين "تنقلات داخلية" في صفوف نخب عمان.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   سميح المعايطة