بشكل كبير لا تعتمد مجتمعاتنا على الارقام فنحن من اكثر دول العالم استهلاكا للانشاء والبلاغة, ونستغرق في الحروف ونحبها اكثر من الارقام, لأن استعمال الحروف يعطينا القدرة على الابتعاد عن الجوهر, ويحمي بعضنا من المحاسبة والرقابة, فالانشاء عصي على التقييم حتى في مسابقات الادب والشعر.
بين يدي مجموعة كبيرة من الارقام والمعلومات تضمنتها محاضرة دولية لوزير التنمية الادارية السابق د. محمد الذبيبات حول الادارة والمعرفة في العالم العربي, وسأقدم للقارئ الكريم بعضا من هذه المعلومات ان لم تكن للفائدة القصوى, فقد تكون للطريقة التي تعلمناها في المدارس تحت عنوان "اقرأ واستمتع".
والحكاية الرقمية الاولى من اليابان التي اسست اول وزارة للتربية والتعليم عام 1876 وكان الشعار الاول "محو الامية تماما بعد عشرين عاما", وليس على عادتنا نحن العرب في احترام الشعارات, فقد احتفلت اليابان عام 1896 بمحو الامية, وفي عام 2000 اتخذت الحكومة اليابانية قرارا حددت بموجبه تعريف الانسان الأمي بأنه الذي لا يتقن وظائف الكمبيوتر. ولغايات المقارنة فإن في عالمنا العربي حتى الآن 70 مليون امي, اي حوالي (11.6%) من اميي العالم الثالث, وهذه النسب المرتفعة عربيا تأتي رغم اننا نملك النفط والمال والجامعات والقيادات التاريخية ومنصات الخطابة.
واذا عدنا الى اليابان فإنها حرصت في مطلع نهضتها على نقل جميع المعارف العلمية الى لغتها, وعقدت اتفاقات مع دور النشر العالمية لاصدار طبعة باللغة اليابانية مع اللغة الاصيلة للمطبوعة, وبعد انجازات اصدر الامبراطور الياباني مايجي قرارا لتحصين تجربة بلاده في التحديث فأطلق الشعار "التكنولوجيا غربية والروح يابانية".
وبالمناسبة فإن اليابان تعرضت لحروب قاسية في النصف الاول من القرن الماضي وذاقت هزائم حتى الاذلال السياسي والعسكري.
والامر ليس مقتصرا على اليابان, فماليزيا مثلا تحولت من مجتمع قروي الى اقتصاد قائم على العلم خلال فترة لم تتجاوز عشرين عاما, وهي تعمل الآن لارسال رجل الى سطح القمر عام 2020 ليس على طريقتنا العربية في دفع ثمن تذكرة لعربي على مركبة اميركية اوروبية بل ضمن تطوير لصناعة الفضاء.
وفي مجال العلم والبحث والتطوير؛ فإن ايطاليا وحدها ينشر علماؤها خمسة اضعاف ما ينشره الباحثون العرب, اما اسبانيا ففيها اربعة اضعاف الانتاج العربي, وحتى كيان الاحتلال الاسرائيلي ففيه ضعفا الانتاج مما ينشره علماؤنا من المحيط الى الخليج.
وفي بعض البلدان مثل اليمن فإن عدد الابحاث المنشورة في المجلات العلمية (10) أبحاث فقط, وفي ليبيا (19) اما سورية فهي (55) بحثا. واعلى الارقام في مصر فقد وصلت الى (1193), اما اسرائيل فالرقم يصل الى (5025) بحثا أما ايطاليا فحوالي (17149) وكل هذا وفق تقرير البنك الدولي حول مؤشرات التنمية لعام 2004.
وهذه الارقام وغيرها تصل بالباحث الى الاستنتاج ان الزيادة في حجم الاستثمار في الصناعة وزيادة اعداد الجامعات لم ترافقها زيادة متناسبة في توطين المعرفة, اي بلغة السوق؛ فقد دفعنا اموالنا لشراء نتائج المعرفة من آلات ومعدات وهواتف وسيارات وكمبيوتر، لكننا لم نبذل الكثير لامتلاكها وانتاجها, وهذا لا يختلف كثيرا عمن ينفق الكثير لشراء الخبز بينما لا يملك طحينا وقمحا وفرنا, ولهذا فارتفاع تكاليف الخبز لديه ليس دليلا الا على الاستهلاك العالي وليس توجيه الانفاق.
وربما لا نبتعد كثيرا عن القول ان معظم حملة المعرفة والعلم تحولوا في عالمنا العربي الى موظفين, كما ان الادارة العربية سياسية او اقتصادية او اجتماعية كانت عاجزة, ولهذا فقد انفقنا الكثير ولم نحصل الا على القليل تماما.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة