تتدارس لجنة الشؤون الخارجية والامن القومي في مجلس الشورى الايراني (البرلمان) اقترحا يتناول إلزام الحكومة بقطع علاقاتها مع المملكة المتحدة، هذا القرار دفع به منذ وقت الانتخابات الايرانية العاشرة في حزيران 2009. ففي أعقاب الاحتجاجات التي قام بها الخاسرون في المعركة الانتخابية، اعتبرت الحكومة الايرانية العامل الخارجي حاسما في تلك الاحداث، وبأنه المسؤول والمحرض الاول لما حدث. وحين بدأت دائرة الاعتقالات تتوسع بدأت تشمل إيرانيين يعملون في سفارات غربية ومنها على الاخص بريطانيا. إذ اعتقلت السلطات الايرانية في البداية ثمانية موظفين محليين يعملون في القسم السياسي في السفارة البريطانية في طهران، حيث تعتقد السلطات في طهران أن هؤلاء الأشخاص مرتبطون بالتحريض على الأحداث التي تلت الانتخابات. المعتقلون الثمانية تراجع عددهم وحكم على ما يبدو على شخصية واحدة فقط بالحبس لمدة ستة اعوام.
 العلاقة البريطانية الايرانية ربما تعد الأعقد بعد العلاقات الأميركية الإيرانية، فهي علاقات يختلط فيها التصور المسبق والتاريخ الطويل من عدم الفهم او القدرة على فهم كل طرف للطرف الآخر، وكذلك عامل الشعور بالتفوق من كل طرف على الطرف الآخر، كل هذا إضافة الى التطورات التي لم تتوقف منذ تأميم النفط الإيراني في عهد رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق في العام 1952. في إيران تبدو الازمة اكثر  تعقيداً مع بريطانيا في وقت تسيطر فيه القوى المحافظة التقليدية على مقاليد الامور، لكن هذا لا ينفي انه في وقت سيطرة القوى الاصلاحية تغيب الازمة، لكنها تصبح أزمة قابلة للادارة من كلا الطرفين، فلغة المصلحة تتغلب في أحايين كثيرة، لكن عند حضور لغة الايدولوجيا فإن سير الأمور يبدو مختلفاً بل يصعب التنبؤ بشأنه. فعلى سبيل المثال خلال الأعوام التي تولى فيها الرئيس الايراني أحمدي نجاد رئاسة الجمهورية في إيران حدثت تطورات ضاعفت من التصور المسبق لدى الإيرانيين تجاه بريطانيا او الانجليز، فتكررت حوادث القبض على جنود بريطانيين وما تبع ذلك من تطورات، وكذلك ما كانت تتعرض إليه القوات البريطانية في جنوب العراق حيث السيطرة الشيعية. أضف الى ذلك التطورات المتسارعة حول الملف النووي الإيراني وقرارات العقوبات المتتالية التي فرضت على إيران والتي ترى طهران فيها نتيجة لجهود بريطانية لتعزيز العقوبات الاقتصادية.
المرحلة الحالية التي يناقش فيها البرلمان الايراني مراجعة العلاقات الايرانية ودعوة الحكومة الى قطع العلاقات تبدو مهمة، فهي بدأت بكلمات شديدة وصفت فيها بريطانيا بـ"الخبث"، ويبدو أن البرلمان الذي تسيطر عليه القوى المحافظة التقليدية وجد في هذا الوصف ضوءاً  أخضر للمضي في المطالبة في قطع العلاقات مع لندن، لا سيما إذا ما تذكرنا تصريحات وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي بأن وزارته تدرس جدياً مراجعة ما سماه "عشرة موارد في العلاقة مع لندن من اصل اثني عشر مورداً"، وهو امر ينبئ ربما بجدية الأمر من الجانب الإيراني. في هذا السياق يجب التذكير أن حركة السياسة الخارجية الإيرانية منذ 2005 تبدو أكثر تركيزاً على الشرق وآسيا تحديداً، لا سيما وأن الرئيس احمدي نجاد كان قد تبنى العمل مع شرق آسيا باعتبار المصالح المشتركة وحقائق الجغرافيا السياسية.
ليس معروفاً ماذا ستكون ردة الفعل البريطانية، لكن يمكن القول إن لندن لن تكون مسرورة بمشاهدة مزيد من التراجع في علاقاتها المتراجعة اصلاً مع إيران، ويعود هذا الى وجود جيل من الدبلوماسيين في وزارة الخارجية البريطانية ممن لا يفضلون إغلاق الأبواب مع بلدان يرون أنها مهمة من ناحية الجغرافيا السياسية وإيران إحدى هذه الدول.
اخيراً يبقى التساؤل مشروعاً وموجوداً حول ما إذا كانت حكومة الرئيس أحمدي نجاد ستتخذ بالفعل قراراً بمراجعة التمثيل الدبلوماسي مع لندن او تخفيضه، أو أن كل ما يحدث جزء من انعكاسات المشهد الداخلي الايراني.
 

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  تصنيف محجوب الزويري   جريدة الغد