حدثان مرتبطان بتركيا يتطوران بسرعة ملفتة للانتباه، الأول هو إصرار لجنة في الكونغرس الأميركي على إدانة ما تسميه إبادة الأرمن من قبل الأتراك خلال الحرب العالمية الثانية، اما التطور الثاني فهو المتعلق بمحاولات الإنقلاب على حكومة العدالة والتنمية التي يعتقد أنها جرت عام 2003 من خلال ورقة عمل تم تداولها بين العسكريين تحت عنوان "مقاومة الرجعية".
موضوع إدانة تركيا بسبب ما يسمى إبادة الارمن احتل مكانا بارزا في محادثات البلدين واشنطن وأنقرة خلال الأعوام الماضية، وقد كان واضحا أن تركيا ستكون منزعجة من صدور أي قرار متعلق بهذه المسألة حتى وإن كان غير ملزم. الحكومة التركية تشعر أن المقصود بمثل هذا القرار هو إضعاف حكومة العدالة والتنمية التي تفاخر بأن سياستها الخارجية أجبرت القاصي والداني للنظر إلى تركيا بجدية أكبر، وأن تركيا اليوم لاعب يصعب تجاوزه سواء على مستوى الاقليم او العالم. الرئيس التركي عبدالله غول ورئيس وزرائه رجب طيب أردوغان أوصلا رسالة واضحة الى واشنطن بأن أي قرار في اتجاه الحديث عن إدانة تركيا سيؤثر على العلاقات بين البلدين. وقد وصلت الرسالة من خلال تجنب البيت الابيض الحديث عن هذه المسالة أو حتى الخوض بأي نقاش يحاول الكونغرس أن يتبناه. تركيا التي استدعت سفيرها للتشاور احتجاجا على قرار لجنة في الكونغرس يبدو أنها تعرف حجم أهمية الأوراق التي في يدها، ولذلك من المستبعد أن تمر هذه الازمة من دون ان تحقق تركيا نوعاً من المكسب السياسي. هذا المكسب السياسي مرتبط بعامل آخر وهو حجم الضغوط التي تقوم شركات إنتاج الأسلحة بفرضها على الكونغرس بشأن هذا القرار. هذه الشركات قلقة جداً من فقدان السوق التركي الذي يعد مشتريا مهم للاسلحة الأميركية، وعليه ربما يكون هناك تغيير في استراتيجية تركيا التسليحية.
تركيا ترى أن قرار إحدى لجان الكونغرس ليس بعيدا عن تأثير بعض اللوبيات المرتبطة بإسرائيل، وهي بذلك تحاول أن ترسل برسالة واضحة أن ما يجري هو نوع من تصفية الحسابات مع حكومة العدالة والتنمية لمواقفها غير المؤيدة لاسرائيل ولا سيما في ما يتعلق بالحرب على غزة، وكذلك موقف انقرة من البرنامج النووي الإيراني. في هذا السياق يجب تذكر ان هناك قلقا اقليميا من تصاعد الدور التركي، وهذا ربما يضاف إلى عوامل الضغط على واشنطن لمحاصرة هذا الدور إن أمكن.
الموضوع الآخر الذي لا يقل أهمية هو ما يرتبط بمحاولة الإنقلاب على الحكومة بدعوى مقاومة الرجعية. هناك مستويان لتحليل ما يجري بخصوص هذه المسألة: المستوى الاول مرتبط المؤسسة العسكرية التي تشعر بقلق من تصاعد نفوذ الاسلاميين والذي من وجهة نظرها يهدد العلمانية، وهو مستوى في اعتقادي اصبح قديما، لانه وببساطة ما تحقق لتركيا استراتيجيا خلال الاعوام القليلة الماضية يضعف هذه الفرضية لدى قطاع كبير من الرأي العام وكذلك النخبة السياسية، لكن بالتأكيد لن ينفي كليا وجود معارضة. المستوى الثاني مرتبط بعلاقةٍ لإسرائيل بشكل او بأخر بخلق ضجيج داخلي ودولي حول الحكومة التركية بقيادة حزب العدالة والتنمية بحيث لا يجعلها قادرة على تحقيق إنجازات سياسية يمكن أن تفيدها في أي انتخابات مقبلة، لانه ببساطة ما حققه حزب العدالة والتنمية إنما كان بفضل خطابه السياسي المنفتح القائم على تحقيق الإنجاز وليس من خلال استخدام الشعار الإسلامي.
الحكومة التركية تبدو على معرفة بمبررات هذا الضجيج حولها، ومن غير المستبعد أن تكون حادة في ردود فعلها على هذا الضجيج، وهي مسألة سيحسب حسابها الكثيرون، ولا سيما ما يمكن ان ينتج عنها من تبعات تؤثر على منطقة الشرق الاوسط والعالم.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  تصنيف محجوب الزويري   جريدة الغد