كأن شواطئ شارع الأردن مصاطب للصفاء. نركن سياراتنا، لنأخذ بعضاً من القهوة، ونودع شمساً ذابت في غسق جبال السلط. أو نقف لننظر كعاشق الماء إلى بحيرة عذبة. هذه البقعة تحتنا، وهذا حوضها الفسيح، الذي يقال أن طول القمح كان يصل فيه إلى قامة رجل و(مَدة يده). نقف كثيراً هناك، لكن لم يصدف أن حدقنا جيداً في المكان.
قبل أسبوع استضفت في برنامجي (أطروحة جامعية) على إذاعة الجامعة الأردنية طالباً مكفوفاً، حصل مؤخراً على الماجستير في الأدب العربي، متخصصاً في مسرح الأطفال الأردني. والذي حفز هذا الطالب المجد، أن يمضي قدماً تلك الطفولة المعذبة التي عاشها، والتي ظل في باله منها، أنه لم يستطع ذات أن يدخل مسرحية عرضت في حيهم لقلة ذات اليد.
وتأخذنا خيوط الحديث إلى أطفال مكفوفين يعانون ذات الأوضاع في مخيم البقعة، فظلوا خارج الدرس والرعاية والتمنيات، فقلت لا بد أن أمخر شارع الأردن، وأيمم شطرهم. وكان لقاؤنا في جمعية الصحابي عبدالله بن أم مكتوم للمكفوفين.
في الجمعية ما يقرب المئة مكفوف، عشرون منهم في سن الدراسة، ولم يستطع أن يصل إلى أكاديمة المكفوفين في طبربور، إلا أربعة منهم فقط، فالفقر يحول دون هذا المطلب الإنساني والحيوي. والمؤلم أن أكاديمة راقية ذات سمعة طيبة محلياً وعربياً، لا توفر وسيلة نقل لطلابها.
في مثل هذا المواقف يتجدد حمدك الكثير لله، على جل نعمه عليك، وعلى نعمة البصر، التي غابت عن هؤلاء، ولكن البصيرة حضرت فيهم، وحضر معها الإصرار والتحدي ورباطة الجأش. وستسمع عن أبطال رياضيين مكفوفين خرجوا من هذا المكان وحازوا جوائز عربية ودولية. وستتعرف على قصص نجاح تؤكد أن الإنسان متحد.
معاناة الأهل مع هؤلاء هي الفقر، ويفاقمها قلة اهتمام المجتمع المحلي بهم. فيفشلون في تعليمهم وتثقيفهم وتحصينهم بمهنة أو شهادة، ولهذا نتمنى على وكالة الغوث، أن تتصدى لهذه القضية، وعلى أكاديمية المكفوفين أن تكمل معروفها بتوفير المواصلات لهم.
نحتاج أن نحدق في بؤر فقرنا وأن نسلط ضوءا على معاناتهم وحاجاتهم لنعينهم عليها. فأن تتلقى جمعية ناشئة عوناً بسيطاً، فهذا يعني نشاطات كثيرة، وفوائد جمة تصب في دلائهم، فهم سيتعلمون لغة برايل مثلاً، والحاسوب الناطق، وغيرها من شؤون المكفوفين.
لماذا لا نحدق في معاناة بؤر فقرنا؟ |