في الانتخابات الفرنسية، هناك ما هو أكثر دهشة من دقة استطلاع الرأي، التي تطابقت توقعاته بالنتائج. فقد رأينا الروح الرياضية العالية لساركوزي وتقبله للهزيمة بصدر رحب، في نهج غير نهج العرب، أو على غير طريقة (تلفونهم) المحببة للفرنسيين.

يعتمد الفرنسيون طريقة طريفة في تعليم لغتهم للآخرين، تسمى تلفون العرب، وفحواها أن تُعطي جملة كاملة لأحد الدارسين، ثم يُطلب منه أن ينقلها بطريقته الخاصة إلى جاره، والجار يفعل ذات الفعل، وينقل الجملة للذي يليه، حتى آخر طالب في الشعبة.

ومع رنة تلفون العرب التعليمية، سنتذكر حكاية ذكاء القاضي الذي أراد أن يعرف مدى تضخم الحقائق، وانبعاجها، وتفلطحها، إذا ما تناقلتها ألسن الناس، ولاكتها همساتهم ولمزاتهم وهواجسهم ورغباتهم الدفينة. فصحا ذات يوم، مكتئباً على غير عادته، وعندما ألحت الزوجة لمعرفة السبب، أسرَّ لها، أنه باض بيضة صغيرة، بحجم بيضة عصفور، وتوسل إليها أن تحفظ السر، فالأمر سيغدو غير لائق إن فشا في الناس.

الزوجة التي لا تبتل بفيها حبة فول، همست الخبر في أذن الجارة، حالما غادر الزوج درجة العتبة: زوجي يا جارتي باض بيضتين، الواحدة بحجم بيضة حمامة، فحاذري، الله يستر عليك، أن تفضحينا. وكالنار في بيدر قمح في تموز، انتشر السر، فعلك الناس لحمَ القاضي، حتى جرؤ صديق له وواجهه بالحقيقة: يا سيدي الناس تدّعي أنك بضت مئة بيضة، الواحدة بحجم بيضة نعامة.

ضحك القاضي، وانبهر بالنتيجة القاسية، واستحلف صديقه، أن يخبره بالعدد الحقيقي الذي وصله، فقال الرجل: إنه 99بيضة يا سيدي، فقال: اعلم أيها الصديق، إن البيضة التي زدتها أنت، لم أضعها أنا أبداً.

الجمل كالحقائق، تصل في نهاية المطاف ممسوخة، وذات معنى آخر، قد يكون مغايراً، وهذه حال طريقة تلفون العرب، التي تفيد في تنمية بناء اللغة، ولا أعرف السبب في تسميتها بهذا الاسم، إلا أن البعض يخمّن أن الفرنسيين، يعتقدون أن للعرب خيالاً خصباً، ولا ينقلون الكلام كما هو، بل (يبهرونه) ويضيفون عليه ويختصرون منه، أو يقلبونه رأسا على عقب.

لا نريد طريقة تلفون العرب في حياتنا السياسية، بل نريد سياسة الحياة الفرنسية. نريد أن يتعلم زعماؤنا أن يعودوا مواطنين عاديين يمارسون أعمالهم مثلنا، نريد أن يوقنوا أن لا شيء يخلد إلا الناس وإرادتهم. فهل يرن هاتف بشار الأسد الموغل بدم شعبه في سبيل الكرسي.


المراجع

addustour.com

التصانيف

صحافة   رمزي الغزوي   جريدة الدستور   العلوم الاجتماعية