ثقة وزحفة 

 

لا تترك نارُ الحبِّ الأجاجة، إلا جمراً في سويداء القلب، كما يحدس العاشقون الملتاعون. جمراً لا يزداد إلا جمراً. أما نار النواب حامية الوطيس، والتي تحمحمت بأروقة المجلس يوم أمس لمناقشة بيان الثقة، فهي ليست كنار الحب، بل هي جمرة ليل، ولا تلبث جمرات الليل أن يصبحن رماداً مبلولاً.

في كل خطاب ثقة (وهذه رابع حكومة تعرض نفسها على المجلس) تقتنص الفرص ليصبح الكلام منبرياً محشرجاً في خطب قاصفة أرض أرض وأخرى جو ارض، فالنائب يصعد لهجته ويكشر عن أنيابه، التي نامت ولبدت تحت ابتسامة حميمية زمناً طويلاً، ويزبّد ويضرب الطاولة بقبضته، ويشرب أكثر من كأس ماء، ويجمط ريقه، ويجرد حلقه، مستعرضاً عضلاته البلاغية والنحوية والشاعرية (ويا بنت شوفيني، وشوفي طولي).

خطب الثقة كلها بذات الكلاشيه، والديباجة نفسها، والتي تصلح لتكون خطبة موحدة لكل بيان ثقة قادمة، أو حتى فائتة، فهي مكرورة بعباراتها وأفكارها، وتبدو كأنها لا توجه للمجلس وللحكومة، بل موجهة لمواطن الشارع، الذي يريد من يحك له على جربه، ويدغدغ عواطفه، وبهذا المطب يقع دوماً أخوتنا النواب. ولو لم تبث هذه الخطب على شاشة التلفاز، لخمدت نبراتهم وارتخت أوتارهم الصوتية.

أعيد التذكير بنار شهيرة عند البدو كانت تسمى نار (الزحفتين)، وهي توقد من نباتات خفيفة، مثل القش أو الشيح أو البلان أو القيصوم، وفي أول أمرها ترتفع عالية حامية متلاعبة الألسن أجاجة، ما يضطرك أن تزحف بعيداً عنها، وعن صلي حرها، لكن ما هي إلا لحظات، حتى تخمد وتفتر، فتضطر أن تزحف هذه المرة مقترباً منها، علك تجد دفئاً صار مفقوداً، ولهذا تسمى بنار الزحفتين.

واستنادا لعلم النيران الزاحفة، نطمئن دولة الرئيس، بأن هذه الخطب العصماء ما هي إلا نار زحفتين، وأن الثقة حاصلة وزحفة.

 

بقلم رمزي الغزوي


المراجع

addustour.com

التصانيف

صحافة   رمزي الغزوي   جريدة الدستور   العلوم الاجتماعية