الممانعة والمقاومة 

 

بعد عشرات الآلاف من الشهداء والمشردين والنازحين ما زال أصاحب نظرية (المؤامرة) البائسة يتمترسون خلف مقولة، ان ما يجري في سوريا ليس إلا صناعة من لدن الوهم السينمائي، أو فبركة من خيال كتابي جامح. وأن هؤلاء الشهداء الذين يوارون الثرى، ليسوا إلا ممثلين أو (كمبرساً) رخيصاً ارتضوا الانخراط في جوقة تمثيل عالمية، لا هم لها إلا الإيقاع بالقيادة الحكيمة لهذا النظام.

وما زالوا يشككون في كل شيء: في مساحة ثقب أحدثته رصاصة خرقت صدر شاب في العشرين، قبل أن يسجى كوردة مقصوفة في حضن أمه وعويل ذويه. ويرون الدبابات الرابضة بين البيوت مجسمات كرتونية صنعت بيد العملاء، لتعطي فرصة للتدخل في آخر قلاع الصمود العربي الممانع، وما زالوا يشككون في لون الدماء المتخثرة في تضاريس الوجوه وجنبات النعوش وضيق الطرقات، فهي ليست إلا ماء طماطم أريق بليل.

وما زال بعضهم لا يعترفون أن الشهداء لم يتجاوزوا أصابع اليدين عددا، وأن صور أزقة وساحات وشوارع درعا وحمص وحلب وإدلب والقابون وغيرها من بؤر الثورة، ليست إلا أماكن وهمية أقيمت خصيصاً لتحاكي مشاهدنا السينمائية. وما زال يقتلني قهرا قولهم: إن النظام الأسدي نظام ممانع. وأنهم يستكثرون على الشعب السوري أن يثور.

تعرف الفيزياء مصطلح الممانعة بأنها المقاومة التي يبديها الجسم حين يمر فيه تيار كهربائي، وإذا أجزنا أن خطر العدو الإسرائيلي، هو هذا التيار المفترض، في نظر الذين يكيلون بعدة مكاييل، ولا يؤمنون أن الشعوب المهزومة من الداخل، لا يمكنها أن تنتصر على عدو خارجي مهم تضاءل شأنه. إذا تخيلنا هذا، فعلينا أن نقدر شكل وحجم الممانعة الباسلة والبطلة والصاخبة الحمراء، التي أبداها هذا النظام ضد عدوه مدى أربعة عقود وأزيد.

هو نظام ممانع حقاً، ممانع لأي بؤرة حق تريد شهقة الحياة، ولكل ذرة حرية مشتهاة. ممانع بالرصاص لكل من يرفع الرأس، وممانع أن يتخلى عن وهمه، وكذبه، وعنجهيته، وشراسته، وساديته، وأسديته على أهله وناسه، ممانع أن يترك تيار الحرية ليمر في بلد عريق عراقة حروف الكتابة، وصهيل الحضارة.

سيسقط الأسد مدوياً، لأنه علا في الباطل، وشاط في الغي. وسينسى ككل الطغاة من قبله. وستبقى التحية خالدة بفم التاريخ للشعب السوري الباسل، الذي واجه الدبابة بصدر عار. تحية لشعب شجاع خرج للمواجهة والممانع لمقاومة الطاغية، وهو يعرف أن الرصاص يتحمحم ليسكن رؤوس أبنائه وأطفاله وحياته. تحية للذين أخافوا خوفهم، وحدقوا في حريتهم، ومانعوا الباطل وقريباً سيدمغونه.

 

بقلم رمزي الغزوي


المراجع

addustour.com

التصانيف

صحافة   رمزي الغزوي   جريدة الدستور   العلوم الاجتماعية