مؤتمر العربية وهوية الأمة
كنت كلما سمعت عن ندوة تتحدث عن اللغة العربية وتندد بانحسارها عن لساننا وكلامنا، أو حضرت محاضرة تذكرنا بسذاجة وسطحية بمحاسنها ووقوة بيانها، أو مررت بندوة احتفالية روتينة تبدأ فعالياتها بقصيدة حافظ إبراهيم الشهيرة (عدت لنفسي ...)، كلما رأيت أو سمعت هذا، وضعت يده على دفة قلبي، وأوغلت بخوف كبير على لساننا الأجمل والأحلى.
هناك لغة واحدة تنقرض كل يوم، حسب إحصائيات منظمة اليونسكو العالمية. وإذا كنت لا أخاف على لغتنا العربية من شبح الانقراض وغوله؛ لأنها مصانة ومحفوظة حفظ القرآن الكريم، فإنني كلي خشية أن تتوسع مساحة تهميشها وإبعادها عن مجالنا الحيوي، بعد تعالي الدعوات المغرضة لتمتين اللهجات العامية والمحلية، في بعض الدول العربية، أو مع شيوع ورواج تقليعة وموضة (الأربيزي)، التي تمزج الإنجليزية والعربية مزجاً ارتجالياً، حتى أصبحت شبه لهجة معترف بها لدى الشباب، سيما في رسائلهم القصيرة.
أقرت منظمة اليونسكو للثقافة والعلوم يوماً عالمياً للغة الأم، وهذا اليوم يمر دون أن يلفت انتباه الكثير من المؤسسات التربوية والشبابية، فيبدو أن شعبنا العربي منشغل بالا شيء، أو أنهم منشغلون بهشاشة وسطحية يوم الحب، أو عطر اللوتس، أو بصورة إعلانية تفتعل اهتماماً بيوم التصحر، أو منشغلون بخطب جوفاء تصدح من أجل رتق ثقب الأوزون المتفاقم فوقنا، لكننا نتناسى الأشياء المفصلية والجوهرية في حياتنا ومستقبلنا: لغتنا الفصحى.
ولكني يوم أول أمس عشت شعورا طيباً مدني بتفاؤل كبير، جعلني أوقن أننا لا نحتاج ليوم اللغة الذي أقرته اليونسكو، فقد كنت واحداً من حشد تألف لافتتاح المؤتمر الدولي، الذي أقامه قسم اللغة العربية، في كلية آداب الجامعة الأردنية.
شعرت براحة كبرى، ليس لذلك الحضور البهي، وخصوصاً من الطلبة فحسب، بل لأن مؤتمراً يأتي بهذا الزخم المعرفي بمشاركة 115 باحثاً وأكاديمياً ولغوياً من 80 جامعة محلية وعربية وعالمية تحت عنوان (العربية وهوية الأمة) يجعلك تقول: نحن بخير، ولغتنا أقوى من كل هاجس ينتابنا.
البحوث تمخر لغة الضاد بعمق وتخصص، وتدرس تأثيرات العولمة عليها، ورياح التغيير الآتية من مختلف الجهات، وهناك دراسات تدور حول اللغة والهوية الثقافية، ودور اللغة في الحفاظ على مقومات هذه الهوية.
ويعاين المؤتمرون هوية اللغة المعاصرة، ويبحثون في الثقافة والهوية العربية من خلال تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، وكذلك دورها في إبراز الهوية الإسلامية، ويناقشون سبل النهوض بالعربية، ودور اللسانيات بالنهوض في العربية، وغيرها من الموضوعات الكبرى.
أحيي المؤتمر وأهله، ويسرني أن أطربكم ببيتين من شعر زميلنا الشاعر الدكتور راشد عيسى، انتقيهما من قصيدة عطر بها حفل الافتتاح: (حريتي أنت، لن أسلوك ذات مدى/ مهما تحاملت على عيني أسيجتي/ تؤكسجين نوايا المفردات شذاً/ صلَّى الظهيرة قبل الصبح في رئتي).
بقلم رمزي الغزوي
المراجع
addustour.com
التصانيف
صحافة رمزي الغزوي جريدة الدستور العلوم الاجتماعية