ردة الفعل السورية الرسمية على تصريحات عبد الحليم خدام كانت باتهامه بالخيانة العظمى، وانه احد رموز الفساد، وانه مسؤول عن دفن النفايات النووية في سورية، وأنه عميل نائم كان يتحين الفرصة لاداء دوره المشبوه، وانه فشل في ادارة الملف اللبناني؛ لهذا تم سحبه منه.
كل هذا قد يكون حقيقة؛ فخدام شريك استراتيجي في النظام السوري في كل سياساته الخاطئة (التي انتقدها هو) والهيمنة على لبنان. فخدام لم يكن موظفا في وزارة الزراعة السورية، بل وزيرا للخارجية ونائبا للرئيس ومن ابرز شخصيات الحزب الحاكم.
لكن السؤال لماذا لم يتحدث مجلس الشعب السوري وكل من اعلنوا الحرب على خدام واتهموه بالفساد والعمالة قبل مقابلته التلفزيونية؟ ولماذا لم يسمع الشعب السوري عن فساد خدام وابنائه من الاعلام السوري وممثلي الشعب قبل ان يغادر خدام الى باريس؟ وهل لو بقي خدام في دمشق واحتفظ بموقعه وقرر مواصلة الصمت. هل كنا سنسمع هذه الشتائم والاتهامات والاجماع على خيانته وفساده؟!
وهل أصل البلاء في سورية وعنوان الفساد والعمالة النائمة او الفاعلة هو خدام (كما يرى الإعلام السوري اليوم)؟ ولماذا لم يوسع اعلام الحزب ومجلس الشعب الدائرة لمحاسبة ومحاكمة الفاسدين والعملاء، او على الاقل شركاء خدام؟ وهل تحويل خدام الى المحكمة واعدامه سيخلص الشعب السوري من الفساد والقمع والعملاء؟!
اسئلة لا تطرح فقط على النظام السوري بل على كل الساحات العربية. فالمسافة قليلة بين التمجيد والتبجيل وفتح كل الابواب المغلقة امام شخص وبين (مسح الارض به) وتحويله الى رجس من عمل الشيطان وعميل اميركا واسرائيل وعنوان الفساد، هذه المسافة هي السلطة والوجود فيها. فالسلطة والموقع تحمي صاحبها من المسؤولية والاتهامات وتجعل منه مقدسا ومحصنا بما هو اكثر من الدستور حتى وان كان عنوانا للفساد والسرقة وكل ما هو سيئ. هذا المنطق يعني ليس فساد الشخص بل فساد النظام؛ فلو كان الوضع سليما لتم اقتلاع الفاسدين من مواقعهم للمحكمة، ولما احتاج الامر الى مناسبات سياسية حتى يسمع الناس ان فلانا فاسد وعميل وسيئ السمعة.
وحتى لو سلمنا بصدق الاتهامات الموجهة لنائب الرئيس السوري السابق. فإن هذا يعني ان علينا ان نفتش في كل ساحاتنا العربية عن امثاله، ولو كان إعلام الحكومات غير مرعوب ومجالس الشعب العربية صادقة لكان هناك كشف للفاسدين والعملاء وليس شتمهم. ولأن هذا لا يحدث فإن ما يجري ان الانظمة المتخمة بالامراض والفساد تمارس ردة فعل غاضبة على الخارجين عن قانونها والكاشفين لعيوبها، والتهمة الجاهزة هي العمالة لاميركا، مع ان الجميع في حضن اميركا. لكن اميركا يحبها البعض صديقة في الخفاء، وعدوا لتضليل الناس وصناعة وهم الصمود والتصدي.
في كل نظام سياسي في العالم امثلة عديدة تشبه قصة عبد الحليم خدام، لكن تضارب المصالح وصراع الحسابات هو الكفيل فقط بكشف هؤلاء وقبل هذا ادانة محاضنهم السياسية.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   سميح المعايطة