قبل ايام وصف رئيس الوزراء الإعلام الرسمي بأنه إعلام مشوش. وقبل سنوات وصف رئيس حكومة اسبق الاعلام الرسمي بأنه اعلام مرعوب، وهي اوصاف لا يمكن الوصول الى تفسيرات واضحة لها. فالاعلام المشوش مصطلح لا يحمل دلالة علمية او سياسية، ولا يمكن تصنيفه الا في اطار الفهم المشوش من الحكومات للاعلام الرسمي.
ما نقوله ليس تبريرا لواقع الاعلام الرسمي تجاوزا عن عيوبه، لكن نحاول العودة بالمشكلة الى جذورها، فمن هو مشوش ولا يملك تصورا للاعلام ومشكلاته والحلول هو الحكومات، ولهذا فنحن نشهد منذ سنوات (مهرجانا) في فك وتركيب مؤسسات الاعلام الرسمي، وعمليات تجريب في الادارات والاشخاص واختراع لهيئات ومؤسسات وألقاب، والمحصلة اننا لم نصل الى المسار السليم.
فالاعلام الرسمي الاردني الآن يملك مؤسسات اكبر من كل الدول، فلدينا ملف للاعلام يحمله وزير او رئيس الحكومة كما هو الحال الآن، ولدينا ناطق رسمي برتبة وزير، ولدينا المركز الاردني للاعلام، ودائرة للمطبوعات يتلاشى دورها، وهيئة للمرئي والمسموع، ومجلس اعلى للاعلام، ومجلس ادارة لوكالة الانباء، وآخر للاذاعة والتلفزيون، اي اننا امام اعداد كبيرة من المجالس والمديرين والالقاب والاموال التي تنفق والجهد الذي يوضع، فهل هذا يعبر عن وضوح الرؤية لدى الحكومات؟ وهل وجود هذا الجيش من الهيئات دليل عافية ناتج عن تخطيط سليم ام ان الفوضى هي ام الاختراع؟
المشكلة الرئيسية للاعلام الرسمي في تعامل الحكومات معه، وعندما حدثت التفجيرات في فنادق عمان حصل الاعلام الرسمي على الخبر بعد اكثر من ساعة من بث الفضائيات، ويستجدي اذنا ليقول للناس ان هذا الحدث في الاردن وليس في اميركا الجنوبية؟
اذن على الحكومات وتحديدا الحكومة الحالية ان تتخلص من التشويش الذي تحمله حول الاعلام الرسمي ودوره ومشكلاته. واذا كانت عمليات التكاثر المتسارعة للادارات والمجالس والمديرين لم تحل مشكلة الاعلام، فإن الدمج على طريقة الصفوف المجمعة في القرى ليس هو الحل. وعلى الحكومة ان تتخلص من القول المستهلك بأننا نريد اعلام دولة، ولتذهب مباشرة الى المشكلة وتجد لها الحلول، لكن ليس على الطريقة المعتادة في تغيير مديرين وتعيين اخرين، او تغيير مجالس الادارة التي لا دور لبعضها ولا حضور، بل لا ضرورة لها كما انها ليست تعبيرا عن استقلالية هذه المؤسسات، بل ذلك انفاق مالي لا ضرورة له، وشكلية ادارية لم تقدم شيئا.
المصداقية المهنية والاستقرار الاداري والحفاظ على الكفاءات والرؤية الواضحة، وسقف الحريات الدائم وليس الموسمي، كل هذه الاستحقاقات تمثل مدخلا لحل مشكلة الاعلام الرسمي. وعلينا ان ننصف كوادر مؤسساتنا الاعلامية بأنها ذات كفاءة والدليل انها مطلوبة للاعلام الخارجي، لكنها مظلومة ولا يتم تأهيلها او تدريبها لتقدم ما يجب، ولهذا نهرب من هذه المشكلة لاستيراد بعض الكفاءات، وهذا لا يعالج الخلل.
على الحكومة ان تحدد بشكل علمي وغير مشوش ماذا تريد من الاعلام الرسمي. وان تحدد ايضا ما عليها القيام به تجاه هذه المؤسسات وكوادرها، وهناك رؤية ملكية قدمها جلالة الملك للمجلس الاعلى. لكن المشكلة ان احدا لا يقرأ ورقا، كما ان تعاملنا مع المشكلات في داخل مؤسسات الاعلام الرسمي تعامل سطحي وقائم على استبدال الادارات. او تفريغ الهيئات، واحيانا يكون التعيين غير مفهوم الاسس، ومعاييره لا تعبر عن رغبة في التطوير او حل المشكلات.
الحقيقة الهامة ان الاعلام الرسمي فقد القدرة على المنافسة، ولو وجد بديلا داخليا لفقدت بعض المؤسسات قدرتها على الحفاظ على من تبقى من جمهورها، وربما آن الاوان لمراجعة جادة ووطنية لمعالجة المشكلات، لكن ليس على الطريقة السابقة، والا فلتبق الامور على حالها. فالواقع لا يحتاج الى مزيد من البعثرة وتجربة الحلول غير المدروسة.
في داخل كل مؤسسة اعلامية رسمية الكثير من الامور التي يجب التعامل معها، وما جرى ان الحكومات المتعاقبة لم تضع قدمها على الطريق السليم، والا كيف نفرض تعاقب (3) مديرين على مؤسسة الاذاعة والتلفزيون خلال خمس سنوات، وانتظار تعيين الرابع الذي يخلو مكانه منذ شهور طويلة؟ فهل التشويش لدى الموظف الذي يعاني ام من حكومات ترى في الاعلام مواقع للتعيين وافكارا للتجريب؟
سنتفق مع رأي الحكومة بأن الاعلام الرسمي مشوش، لكننا ننتظر الوضوح في الرؤية والاجراءات ان وجدت.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة