الخلاف وتبادل الاتهامات الذي شهده مجلس النواب الاربعاء الماضي على خلفية نقد وجهه التجمع الديمقراطي لتصريحات المراقب العام للاخوان المسلمين، هذا الخلاف يدعونا للتوقف وتحليل موقف الجماعة من النظام السوري، واي المواقف الاخوانية السائدة اقرب الى الموقف الحقيقي والتاريخي.
المتابعون للأزمة بين اخوان سورية والنظام يعلمون ان الاخوان في الاردن خاضوا تلك المرحلة بتضامن وشراكة كاملة، وانهم قدموا للتنظيم السوري كل ما يستطيعون من عون مالي واعلامي وسياسي وتنظيمي. بل ان الحكومات وبحكم التوتر الذي كان قائما بين الاردن وسورية ساهمت في تعميق هذا التضامن، إذ استقبل الاردن آلاف المشردين من الاخوان وعائلاتهم. والى وقت قريب كان الاردن هو الساحة الثانية، بعد العراق، لنشاط قيادة الاخوان السوريين, ونتذكر ايضا الهجوم الكبير الذي شنته سورية على الاردن اعلاميا وسياسيا ومحاولة الاغتيال التي تم كشفها ضد رئيس الوزراء الاسبق مضر بدران.
وحتى بعد انتهاء المواجهة المسلحة عام 1982 ومجزرة حماة فإن اخوان الاردن استمروا في اداء واجبهم تجاه اخوان سورية، وهذا الموقف كان منسجما تماما مع الفكر الاخواني وتطبيقا له. وكانت عملية التعبئة الفكرية والعقائدية ضد النظام السوري جزءا من منهاج الجماعة تجاه افرادها.
لكن عقد التسعينيات شهد تطورين مهمين: الاول ظهور (موضة) الوفود الحزبية والنيابية المهاجرة الى عواصم الاشقاء، بعضها كان تعبيرا عن التضامن وبعضها كان تعبيرا عن حضور هذه الاحزاب ونشاطها ونقاطا تسجل من قبل الجهات المنظمة للزيارات لدى تلك العواصم. ودخل الاخوان - عبر حزب جبهة العمل الاسلامي- هذه البورصة السياسية وذهبوا مرارا وتكرارا الى دمشق. وتحدث نوابهم بفخر عن شجاعتهم في الحديث مع (ابو جمال) اي عبد الحليم خدام وفاروق الشرع وحتى الاسد الراحل, وهذه العلاقة انتجت موقفا ودودا بين الجبهة والنظام السوري يبتعد عن التاريخي للجماعة. وللانصاف فإن الكثير من قيادات الجماعة لم تذهب الى دمشق ربما لانهم احتفظوا بموقفهم السياسي والعقائدي تجاه نظام دمشق، كذلك فإن سورية لم تكن راغبة في التعامل مع عنوان "الاخوان" بل مع قيادات حزبية من ضمنها شخصيات حزب الجبهة.
اما التطور الثاني فهو ظهور قيادة حماس في الخارج وهجرتها السياسية الى دمشق، ضمن فصائل المعارضة حتى قبل اخراجها من الساحة الاردنية (1999) واصبح لحماس مصلحة مباشرة في علاقات حسنة مع النظام السوري, ولأجل مصالحها تجاوزت كل المواقف التي تبنتها الجماعة ضد النظام السوري. بل وذهبت الى اعتباره قلعة للصمود والبطولة في وجه المخططات الدولية والصهيونية. ووقف خالد مشعل في حفل تأبين الرئيس الراحل الاسد والقى كلمة فاقت ما قاله رفاق الاسد واتباعه في القيادات القطرية والقومية.
التطوران السابقان اعادا رسم صورة النظام السوري في الاداء السياسي للحركة الاسلامية، واصبح النظام السوري من المقدسات السياسية، واخذ النظام مكانة تتناقض مع الموقف العام للجماعة بل وعلى حساب مصالح الاخوان السوريين. بل ان تناقضا واضحا في المواقف قد ظهر، فحماس وحزب الجبهة يقدمان نظام دمشق على انه حصن للصمود وصخرة قومية في مواجهة الصهيونية، والاخوان السوريون يعملون لاسقاطه لتاريخه السياسي والامني ومجازره بحق الشعب السوري. فهل يعمل جزء من الحركة الاسلامية العالمية على اسقاط نظام يرى فيه جزء اخر رمزا للصمود والبطولة!
ما قاله المراقب العام للاخوان عبد المجيد الذنيبات في مساندته لموقف اخوان سورية انسجام مع الموقف التاريخي للجماعة، وهو موقف لم يتأثر بحسابات حماس الخاصة او لجنة احزاب المعارضة. وهو الموقف الطبيعي في مساندة تنظيم اخواني لتنظيم اخر في مواجهة نظام ما زالت الادبيات التي تصنفه عقائديا وسياسيا سلبيا موجودة.
ولعل ما اخطأ به المراقب العام، كما يرى البعض، انه تجاوز مصالح بعض الاطراف عندما انسجم مع الموقف الحقيقي للجماعة في مساندة الاخوان السوريين، لكن موقفه هو السليم وليس موقف من احترفوا الهجرة السياسية الى دمشق!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة