منذ عدة سنوات وربما منذ احدى التعديلات على حكومة المهندس علي ابو الراغب تحدثت "رسالة ملكية" الى الحكومة عن ضرورة الانتقال من مرحلة تقديم المعونات الى مرحلة لا يتلقى فيها المعونة الا من لا يملك خيارا آخر لعجز جسدي او اي سبب منطقي آخر.
لكن هذا المنهج لم تحققه اي حكومة، والسبب الحقيقي اننا حتى الآن لم نمتلك منهجية وطنية سليمة لمعالجة الفقر، كما ان السياسة الاقتصادية تركت آثارا في بنية المجتمع وعمقت حالة الفقر في بعض الفئات، ولهذا ذهبنا خطوات كبيرة باتجاه توزيع دائرة المعونات التي اخذت اشكالا عديدة وتطوعت هيئات عديدة لممارستها.
ورغم ان زيارات جلالة الملك التفقدية ومبادراته نحو الفقراء والمناطق المحتاجة سياق داعم لجهود الحكومة، الا انها تمثل ايضا تذكيرا للحكومات بأن تمارس ما يجب عليها، وان تمتلك من السياسات ما يجعل المساعدات امرا استثنائيا، ولهذا كان التأكيد الملكي للحكومة الحالية بأن تبادر الى تحقيق فكرة المظلة او المرجعية الوطنية للتعامل مع مشكلة الفقر والعون الاجتماعي، والفكرة ليست انشاء هيئة جديدة بمدير عام، بل بامتلاك منهجية وطنية قادرة على ادارة ملف الفقر والانتقال من مرحلة مساعدة الفقراء الى حل مشكلة الفقر او التخفيف منها.
والمبادرات الملكية اخذت بعدا عمليات عبر الحملات الدورية المتكررة الموجهة لعشرات الآلاف من العائلات الفقيرة، والتي تقدم خلالها مواد غذائية تكفي الاسرة عدة اشهر، وهذه طريقة مجدية لعائلات تحتاج الى السكر والأرز والزيت والعدس وغيرها من المواد، بحيث لا تذهب مبالغ هذه المعونات او جزء منها الى ثمن دخان لرب الأسرة. وهذه الحملات الدورية تأتي متكاملة مع فكرة تأمين المسكن للعائلات الفقيرة، حيث المشاريع التي بدأت في بعض القرى الجنوب التي اكتشفتها الحكومات بعدما زارها الملك، وتوسعت الفكرة في العديد من المناطق، لأن امتلاك الاسرة لبيت يكفيها تكلفة الأجرة المتكررة.
وحملات العون الملكية بكل ايجابياتها لا تعفي الحكومة من اداء واجبها في بناء مسار قادر على التعامل مع مشكلة الفقر بشكل جاد وجذري، وهذا احد معايير العمل المثمر لأي حكومة بما فيها الحكومة الحالية التي عليها ان تسجل انجازا حقيقيا في هذا المجال الأهم.
ورغم المساهمات الكريمة من بعض قطاعات القطاع الخاص الا ان الدور الكامل لهذا القطاع ما زال دون المأمول. وهناك الكثير من التنظيم والتنسيق والدعم الذي يمكن للقطاع الخاص ان يقدمه كجزء من واجبه نحو الفئات الفقيرة او نحو المناطق الفقيرة، فأحيانا ليس المطلوب فقط توزيع مساعدات بل المساهمة في بناء سور لمدرسة، او شراء اجهزة لمركز صحي، او حتى بناء مشروع استثماري لتشغيل بعض شباب المنطقة، انه دور ضروري ولا بد منه لكنه ايضا يحتاج الى تنسيق بحيث يؤدي الدور الكامل ويذهب خطوة نحو الحل الحقيقي.
ننتظر من الحكومة ان تؤدي واجبها في بناء حالة وطنية منهجية، وننتظر دعما اكبر من القطاع الخاص، بحيث نخفف من المعاناة التي تتزايد مع كل ظرف اقتصادي صعب.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة