اتفق الطرفان الأميركي والروسي على العمل على حل المشكلة السورية، من خلال توافق الطرفين على تفعيل وثيقة جنيف التي أشارت إلى ضرورة إجراء حوار بين المعارضة وأطراف من النظام السوري خلال مؤتمر دولي يعقد في نهاية أيار (مايو) الحالي. ووفق ما جرى قبل إصدار إعلان جنيف العام الماضي، فإن روسيا عارضت صدور الإعلان الذي يتضمن دعوة مباشرة إلى تنحي الرئيس السوري بشار الأسد. وقد بقيت روسيا تروج لهذا المشروع وحدها، وتبعتها إيران التي ترى هي أيضا أن الحل سياسي، وممكن ضمن مرحلة انتقالية تشارك فيها قوى الثورة أو المعارضة، وعناصر من النظام السوري. الحكومة السورية آنذاك كانت اعتبرت أن الاعلان دليل على فشل "أعداء سورية"، وأنه محبط لقوى المعارضة والثورة.
العودة إلى إعلان جنيف دفعت لها عوامل مهمة، هي: أولا، الضعف الأميركي في إقناع روسيا بالتراجع عن موقفها من الأزمة السورية. هذا الفشل أمام الضغط الداخلي، لاسيما من قبل الكونغرس، دفع بالإدارة الأميركية إلى البحث عن مخرج، ولو مرحلي، فكانت العودة إلى الحديث مع روسيا لإحياء إعلان جنيف. والعودة إلى هذا الإعلان يخالف أصول السياسة الأميركية -إذا كان هناك أصول بشأن الثورة السورية- التي دعت وتدعو إلى رحيل الرئيس الأسد. كما أنها عودة تتعارض مع ما تقول واشنطن إنه مساندة للثورة بأسلحة غير "فتاكة".
على صعيد متصل، فإن واشنطن بحاجة إلى موسكو في المرحلة المقبلة للتعامل مع الملف الإيراني. فواشنطن لا ترغب في خسارة روسيا استراتيجيا، لاسيما أن هناك ملفات مهمة في آسيا الوسطى تحتاج فيها واشنطن إلى التنسيق أو الحديث مع موسكو، وربما أكثر من ذلك.
ثانيا: التأخر في الحسم على الأرض. فرغم ما يقال من مساعدات للثوار، وضعف لقبضة النظام على زمام الأمور، إلا أنه ليس هناك مؤشر على أن أيا من الطرفين قادر على حسم الأمور لصالحه. يزيد من هذا الأمر عدد الضحايا المتزايد. وواشنطن وموسكو تحاولان القول للعالم إن إعلان جنيف هو المخرج الوحيد لوقف شلال الدماء.
ثالثا: تأخر التدخل الدولي لمدة عامين ساهم ويساهم في تشكيل أوضاع سياسية مشوهة، مثل الحديث عن تقسيم سورية، والدول الطائفية.. إلخ. وهذه الأوضاع وإن كانت، في ظني، لا تبدو أزمة للغرب، إلا أن المطلوب حضور مباشر ومتقدم في التحضير لهذا المشهد. من هنا فإن العودة إلى إعلان جنيف لا ينهي كل هذه التشوهات اللفظية أو السياسية، لكنه قد يجعلها قابلة للإدارة والتوجيه من دول لها مصالحها في سورية والمنطقة.
رابعا: القلق من اندلاع مواجهة عسكرية غير مستعدّ لها في ضوء الهجمات الإسرائيلية. والمواجهة العسكرية قد تعني هجمات مباشرة على إسرائيل، أو نوعا من الهجمات على المصالح الأميركية أو الإسرائيلية. وفي هذا السياق يحضر العامل الاقتصادي، والتبعات المحتملة لمثل هذه المواجهة.
خامسا: حالة الهلع والقلق من عواقب الثورات، لاسيما في ظل ما حدث ويحدث في مصر وليبيا وتونس، وكذلك حالة الجمود في المشهد السياسي اليمني. هذا القلق موجود إقليميا ودوليا، وهو مرتبط بالنخبة السياسية الجديدة وخياراتها السياسية، وكذلك التبعات التي تترتب على سياسات الدول المرتبط معها، سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة وروسيا، وهي تبعات سياسية واقتصادية وأمنية.
العودة إلى إعلان جنيف هي محاولة لاستنساخ النموذج اليمني، لكن الفارق هو أن عدد القتلى في اليمن لا يتجاوز بضع مئات، فيما قفز في سورية عن مئة ألف. وهي محاولة لإنقاذ مصالح الدول، ولا يبدو أنه إنقاذ للشعب السوري، لاسيما أولئك الذين قضوا بالفعل أو هُجّروا.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة تصنيف محجوب الزويري جريدة الغد