ما بين اهتمامات الفضائيات والصحافة والحكومات واسرائيل واميركا، تتباين الاولويات التي يريدها كل طرف لحماس وهي تتسلم زمام السلطة في مناطق الحكم الذاتي، لكن هذا يفترض ان لا يصنع احد اولويات حماس الا وفق ما يحقق مصالح الشعب الفلسطيني، ويحفظ للحركة ثوابتها وجوهرها.
خلال الايام الماضية مثلا، انشغلت بعض الفضائيات، وحتى القوى السياسية، بالعلاقة بين الاردن وحماس؛ وبدلا من ان يكون الحديث باتجاه القضايا الكبرى، والعلاقات السياسية والاقتصادية بين الاردن وحكومة السلطة القادمة، لم ير البعض من فوز حماس وانعكاساته الا مسألة عودة رئيس مكتبها السياسي الى عمان، وكأن فوز الحركة يعني اداة ضغط على الاردن للاستجابة لمطالبها!
وكما اشرت في مقال سابق، فان اولوية حماس هي ان تجذر حضورها في الداخل كقوة تمسك السلطة، ومن يريد مصلحة حماس عليه البحث عن كل ما يساعدها على استثمار فوزها لمصلحة برنامجها القادم. وكان الاولى بالنقاش ليس ممارسة ضغوط نيابية وسياسية واعلامية على الاردن، بل الوقوف ضد الدعوات التي وجهها رئيس السلطة ومدير المخابرات المصرية اللذان انضما الى المطالب الاميركية والغربية بضرورة اعتراف حماس بحق اسرائيل في الوجود، والالتزام بكل الاتفاقات الموقعة كشرط للتعامل معها. لكن الغريب ان بعض من يعتقدون انهم يخدمون حماس يتجاهلون مثل هذه الضغوطات والمطالب التي تستهدف جوهر الحركة، ويذهبون إلى مجاملة الحركة عبر المطالبة بقضايا شكلية وهامشية، وكأن حماس خاضت الانتخابات حتى يعود خالد مشعل الى عمان، وليس لتطوير ادواتها في مقاومة المحتل. ولكثرة التعامل مع هذه الهامشية، فاننا نسمع من بعض الناطقين باسم الحركة تركيزا على هذه الامور اقل بكثير من الاملاءات التي تقايض تشكيل حماس للحكومة بالاعتراف بالكيان الصهيوني!
من اولويات الحركة ان تقدم اداء سياسيا اسلاميا متوازنا وسط الاضطراب الاقليمي والدولي، وان لا يكون تعاطيها مع الضغوطات عبر تحايل على الالفاظ يؤدي في النهاية الي تبني مواقف يريدها الاخرون. فالدول التي تطالب حماس بالاعتراف بحق اسرائيل في الوجود لا تتوقع منها استجابة فورية، ولعلها لا تطمع في المراحل الاولى بأكثر من ان تفكر حماس في البحث عن مخارج ترضي الواقع الدولي وتجامله، وان يرى انصارها أي تحول ضرورة مبررة بموقع حماس الجديد كقيادة لسلطة الحكم الذاتي. وهذا الاداء المتوازن الخالي من الاستجابات للشروط والاملاءات ليس ملكا لحماس وحدها، بل سيترك اثاره على كامل العمل الاسلامي في كل مكان.
ومن اولويات حماس ان لا تهرب من الاجابات المباشرة الى صيغ تبدي فيها ذكاء بينما لا تمثل الا استجابات ولو صغيرة؛ فمثلا قرأنا اقوالا منسوبة الى د. محمود الزهار يقول فيها ان المفاوضات ليست حراما، وان العبرة بالنتائج. واذا ما صحت، فإن هذا النوع من الاستجابة هو تحايل على الجوهر، وهروب لا معنى له؛ فالتفاوض يعني الجلوس مع الطرف الاخر والاعتراف ضمنيا بوجوده وحقه في الحديث عن الحقوق، حتى وان كان هذا تكتيكا او استراتيجية.
كذلك، سمعنا في وسائل الاعلام تصريحات لرئيس مكتب حماس السياسي يرفض فيها الاعتراف باسرائيل، لكنه يبدي استعدادا لهدنة طويلة، اي صلح، والذي هو محصلة لعملية تفاوض وعلاقات! والهروب من الاملاءات والشروط لا يكون باستجابات صغيرة، فالاذكياء لدى القوى الدولية يعلمون ان حركة عقائدية لا تتحرك بأي اتجاه بسرعة كبيرة، ولهذا فهم يراهنون على التحولات الصغيرة المتراكمة التي تصل بصاحبها الى مرحلة اللاعودة، تماما مثلما حدث مع فصائل وقوى اخرى!
اولويات حماس ان تستثمر الفوز دون خسائر كبيرة على حساب جوهرها وثوابتها، وهذا امر تحتاج معه الى كل عون من انصارها ومحبيها، وكل الجهات الحريصة على بقاء قوى الممانعة والمقاومة في العالم العربي والاسلامي. وكل غيور على حماس يفترض به تجاوز دور المجاملة لها الى تشكيل جبهة مقاومة للضغوط وتصليب موقف الحركة؛ فالقضية ليست في ان تشكل حماس حكومة، او يتحول قادتها الى نواب في المجلس التشريعي، بل في استمرار حالة المقاومة. فقيمة حماس في اختلافها عن غيرها، اما اذا كانت استحقاقات الفوز ان تصبح مثل غيرها، فالخسارة كبيرة، ليس للحركة بل لموقف الامة مما يجري ضدها.
اولوية حماس ان تبقى حركة مقاومة، وليس المطلوب منها هو تحرير فلسطين في زمن اختلال موازين القوى، بل الحفاظ على رافعة للصمود.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة