لم تمت ولم تدفن اتفاقات اوسلو وما تبعها من تفاهمات، وموت اوسلو تبرير رفعه البعض لتغطية خطوات سياسية والاندماج في السلطة، لكنّ هذا الاتفاق شقين: الاول سياسي يحمل بعض ما التزمت به دولة الاحتلال تجاه الفلسطينيين ثم حاولت التخلص منه، والثاني واقع افرزته الاتفاقات من سلطة ومجلس تشريعي وعلاقة يومية مع الاحتلال وتنسيق امني.
لكن الاهم ان اوسلو انتجت واقعاً سياسياً مشوهاً، واقتصاداً فلسطينياً اسيراً، بحيث اعطت لمن اراد تسويق الاتفاق فرصة للفرح بشكليات السيادة من رئاسة وحكومة ومجلس تشريعي ووزارات، لكنها ابقت مفاتيح السلطة والقرار والسيادة بيد الاحتلال. فالمعابر وتحصيل اموال الجمارك والرقابة واغلاق الضفة وغزة ومنع قادة السلطة من التحرك والسفر، وحرية القتل والاجتياح واعادة الاحتلال كل هذا سلاح بيد الاحتلال أخذ (شرعية!!) عبر اتفاق اوسلو بعد ان كانت اسرائيل تمارسه بحكم الاحتلال والقمع.
مشكلة كيان الاحتلال الحقيقية ليست في ان تتولى حماس او فتح مقاليد حكومة اوسلو او أكثرية مجلس تشريعي وديمقراطية جاء بها اتفاق وصفه معارضوه بأنه تنازل عن 78% من ارض فلسطين، بل ان مشكلتها انها لا تريد حلاً لمشكلة الفلسطينيين، وكل ما تبحث عنه حل لمشكلة اسرائيل. وعبر عشر سنوات مضت لم تصنع اسرائيل سلاماً مع قيادة المنظمة والسلطة برئاسة ياسر عرفات، رغم ان هذه القيادة كانت جادة وراغبة في التسوية السياسية، ومضت السنوات الاخيرة من عمر عرفات وهو متهم بأنه ليس شريكاً حقيقيا في السلام. وقامت دولة الاحتلال بكل ما تستطيع وتريد من قتل واغتيالات واعادة احتلال رغم ان الطرف المقابل لا يصمت عن الدعوة للعودة الى طاولة المفاوضات.
ورغم رفض اسرائيل قدوم حماس الى السلطة، الا انها - أي إسرائيل- تستغل جيداً انحياز القوى الكبرى لها، ولهذا فإنها سعيدة بأنها ستستمر في اعمالها وسياساتها العدوانية بحجة ان حماس لا تعترف باسرائيل. وحتى لو اعترفت حماس فهذا لن يعني فتح ابواب الجنة والسلام، بل سيدخل الفلسطينيون في دوامة جديدة لا تختلف عما عشناه منذ عام 1993 وحتى الان، او ربما منذ اعتراف المنظمة باسرائيل في نهاية عام 1988.
اسرائيل أرغمت قيادة المنظمة على القبول باتفاق اوسلو، وهو لا يحمل للفلسطينيين الا بعض خطوات الانفراج وامل التخلص من المعاناة، لكن مرور كل هذه السنوات اكد ان هذا لم يتحقق. وباستثناء بعض الملفات الداخلية فإن هذا الواقع المرير لا يغير منه ان كان احمد قريع او اسماعيل هنية رئيساً للوزراء، فالسؤال الكبير: هل هي حكومة حقيقية؟ وهل هي سلطة تحررت من الاحتلال وافرازات اوسلو والتشويه الذي احدثته أو هل نحن امام سلطة ستذهب بالناس نحو الاستقلال ام هياكل ارادتها اسرائيل لتتخلص من بعض الاعباء وتضفي شرعية على قمعها وسيطرتها؟
حتى لو صدقنا بأن اوسلو قد ماتت فإنها تركت وراءها ذرية غير صالحة. فالمعابر تحت السيطرة او الرقابة الصهيونية، والاقتصاد اسير لمزاج وبرامج الاحتلال، وخروج اي مسؤول كان مؤيداً او معارضاً للتسوية من غزة الى الضفة لا يتم الا بإذن جيش الاحتلال، وسيبقى حصار عرفات الذي افتقد فيه حتى الى الماء دليلاً حياً على ذرية اوسلو. كل هذا قد يكون مفهوماً من كيان محتل، لكن ما هو غير مفهوم ان يصدق بعضنا ان ما تركته اوسلو حكومة حقيقية وسلطة ذات سيادة، وان يتغنى هؤلاء بديمقراطية وشفافية ويغمضوا عيونهم عن ان الفلسطيني الذي (امتلك!!) الحق بالاقتراع لا يملك الحق في السيادة على ارضه او الحركة دون حواجز او حتى حماية اطفاله من قتل يومي وضنك في المعيشة، ليس له علاقة بمن يحكم هذه السلطة، وانما بمن صنعها ووضع شروط ظهورها.
ويكفي من هيبة الديمقراطية ان المجلس التشريعي لا يمكنه الانعقاد في مكان واحد، لان اسرائيل قد لا تسمح لقادة ديمقراطية اوسلو بالانتقال من غزة الى رام الله، وان بعض اعضاء المجلس قدموا من بعض مدن الضفة الى رام الله قبل الجلسة بأيام لضمان عدم منعهم من قبل قوات الاحتلال.
من السطحية ان نعطي لقرارات الحكومة الصهيونية بفرض اجراءات عقابية على الفلسطينيين تعريفاً وكأنها سابقة، فهذه العقوبات بأشكال مختلفة لم تبتعد عن حياة هذا الشعب سواء في حكم فتح سابقاً او مع بداية مرحلة حماس.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   سميح المعايطة