ما من أحد إلا ويدرك صبر الجمال، التي تطوي الفيافي كقميص برباطة جأش وعزم، متحاملة على عطشها وأثقالها. وقليل منا كلف خاطره وسأل ذات تأمل: ما الذي يجعل هذا الكائن العجيب صبوراً لهذا الحد؟؟: ألانه بلا مرارة؟، أم أنه استأصلها بعملية جراحية وارتاح، فلا يستشعر مكائد هذا الزمان وتعكيراته؟.

أما النعامة فهي تسمى الجمل الطائر، كونها تتمتع بصفات صورية وشكلية مقاربة للجمل، لكنها تتفوق عليه بامتلاكها مرارة كبيرة، مما يجعل افرازاتها تطحن الحجارة والصوان، وحتى الجمر، لكنها تبدو دائما عديمة الصبر، نزقة متفلتة كزنبرك مضغوط، وهكذا حال من لا مرارة له: فآآآآآآه، لو ننزع منا مراراتنا الملتهبة.

ولأن النعامة بلا مرارة، فما أسرع ما ترتعب من الناس، وتهرب من أدنى طيف لهم، حتى إذا شعرت أن الصياد سيدركها لا محالة؛ دست رأسها الصغير في تلة رمل، معتقدة أنه لن يراها، ولن يرى مؤخرتها المشرعة للريح.

وكذلك تجعل بيضها أثلاثاً: ثلثاً للحضن والتفقيس، وثلثاً تأكله خلال فترة الرقود عليه، وثلثاً تكسره فيتعفن ويدوّد، فيكون منه غذاء الأفراخ عندما تفقس، ومع هذه التوزيعة الذكية، فإن لها من الحمق ما يملأ عشرات الأكياس. فمن حمقها مع بيضها، أنها تخرج من عشها، فتجد بيضاً آخر، في عش آخر، فتحضنه ظانة أنه بيضها.

وريش النعامة أنعم هفهفات النسيم، وبيضها شهي، ولحمها أشهى، ولهذا فهي هدف عزيز للصيادين، الذين يصطادونها بطريقتين، فإما أن يوقدوا لها ناراً كبيرة، وما أن تشاهد النار فتندهش، وتتمسمر كالصنم، فيأتيها الصياد، ويقبض عليها حية. والطريقة الأخرى بالشرائط السوداء، حيث يعمد الصياد إلى ربطها على أعواد، في مرابض النعام ومراتعه، حتى إذا أستأنس بهذه الشرائط المهفهفة في الهواء، فإن الصياد يرتدي لباساً أسود، ويدهم النعامة، ويقبض عليها من عنقها.

في مواسم الانتخابات، فإن الصيادين المنتهزين لهذه الميمعيات المختلطة، لا يوقعون الناس بشرائطهم السوداء، أو بنيرانهم الوقادة، بل كثيراً ما يوقعونهم باللافتات البيضاء الملونة المثقلة بالشعارات الرنانة الطنانة، متناسين أن بعض لافتاتهم ما هي إلا أكفان لطروحات ممجوجة، أكل عليها الدهر وشرب، وملها الناس.

من الراجح أن اناسا سيستأصلون مراراتهم في شهر الانتخابات هذا، فهم بحاجة لصبر الجمال، كي يستطيعوا طوي كل هذه الصحاري المقفرة من الوعود والشعارات . فما زال الكثيرون من الصيادين يعتقدون أنهم يطاردون النعام. (زمان أول حوّل).


المراجع

addustour.com

التصانيف

صحافة   رمزي الغزوي   جريدة الدستور