هل نضبع الفساد؟ 

 

عندما كانت الضباع تهاجم حظائر القرى، وتخطف الأغنام والبهم (صغار الضأن والماعز)، كانت النخوة والفزعة الزلزالية تدبان في دم الرجال، فبعد أصوات الاستغاثة المجروحة والنداء المحموم، كان الرجال يقسمون يميناً غليظة، أن ينالوا من هذه الوحوش اللعينة، وسيأتون بها مجرورة؛ لصنع النعال من جلدها الثخين.

وهكذا، وبعد أن يعدوا عدتهم، يهبون كالريح يطاردون الضبع في المغاور والجبال، مشمرين عن عنفوانهم النزق؛ فيقصّون أثرها على صفحات الدروب، ويتبعونها في طريق هروبها، حتى ولو وصلوا وجارها.

لكن كان يصدفُ أحياناً، أن يتلبّسهم لباس الفزع قبل أن يواجهوا تلك الضباع، لكنهم ومن باب التجمل يوارون الرهبة ويخبئونها، لكن آثار الأقدام تقودهم وتضعهم وجهاً لوجه مع الضباع اللائذة بفريستها، وراء صخرة، أو خلف شجرة مشتبكة.

وبما أن الخوف يلجمهم ويمنهعم من قتلها، فإنهم كان يتظاهرون بعدم رؤيتها، ويتعامون عنها بكل قصد، بل وإمعاناً بالتغافل، كانوا يعيدون قصّ الأثر مرة أخرى من جديد، فيما الضبع ماثلةً أمامهم تبرق بعينيها، علها تولي هاربة، وتريحهم من وعثاء المواجهة.

وإذا كانت مطاردة الضباع لا تحتاج لكثير من طول النفس والمكابرة على لجم الخوف، وكبت جموح الرهبة، فمكافحة الفاسدين، لا بد وتحتاج هذه الثيمات الهامة تحديداً، فلا نريد أبداً لمن يلاحقون ضباع الفساد أن يدب فيهم خدر الخوف، فيصابون بالتعامي عن المحسوس والملموس، أو يعمدون إلى قص الأثر، مرة إثر مرة، عل الفاسدين يهربون بما غنموا؛ فيريحنا من مطاردة لا نحب أن نقوم بها، ولا نريد لهم أن يتحججوا بقصر النظر ونقص الأدلة، فالحقيقة شمس تموزية.

كل ما نحتاجه كي تكتمل الصورة، أن نشمر عن همتنا لملاحقة الفاسدين بغض النظر عن لونهم أو منبتهم. نريد أن نواجه خوفنا ببسالة وصرامة.

تحية لكل من يقف سدا منيعا في وجه طوفان الخوف، من ملاحقة المفسدين، أو قص أثر فسادهم، وتحية لكل من يطارد الضباع الكاسرة التي غولتنا. فهل سيأتي علينا حين من الدهر يصير الفساد فينا مضبوعاً، نقوده للمحاسبة والقصاص؟

 

بقلم رمزي الغزوي


المراجع

addustour.com

التصانيف

صحافة   رمزي الغزوي   جريدة الدستور   العلوم الاجتماعية