ايا كان الخطاب الحكومي في توضيح وتبرير ما جرى في السجون قبل ايام، تظل الحقيقة المهمة ان ما جرى ترك صورة وانطباعاً سلبيين. والواقع ان قضية السجون ملف مهم يفترض ان يحاسب عليه كل مسؤول، ليس من اصحاب المسؤولية الصغيرة او الميدانية، بل هو حساب على السياسات.
سجناء تنظيم القاعدة وافرازاته ليسوا سجناء عاديين، فهم كما تعلم الحكومة تنظيم ومجتمع محلي وقيادة وذوو اطلاع على ما يجري في العالم، وحين يقوم هؤلاء بتحرك في ثلاثة سجون، في العاصمة والشمال والجنوب، فهذا فعل منظم، سبقه تخطيط واتصالات. والجهات المعنية اما ان تكون على اطلاع على هذا او العكس؛ وإن كانت مطلعة، فكيف سمحت للامور بأن تتطور الى حد احتجاز مسؤولين كبار، وتحويلهم الى اسرى، وتعرضهم للضرب وكسر الايدي، وان تتم الاستجابة للسجناء ببعض المطالب ولو مؤقتاً؟! أما ان كانت الجهات المعنية لا تعلم، فهل من المعقول ان يكون مثل هؤلاء في سجن، وتحت سمع وبصر الجهات المعنية، ثم يتمكنون من التنسيق والتنظيم بهذا الشكل؟!
الجانب الايجابي ان الأمن العام لم يرغب في إراقة الدماء، لكن الجزء الاخر ان هذا لم يكن مقابل انجاز؛ فالحجز والاذى والضرب تم، والاهم ان الرسالة وصلت الى العالم بأن هؤلاء يمكنهم التحرك والتأثير واثارة الفوضى، الامر الذي يترجم محلياً على صعيد هيبة الحكومة وقدراتها. فالانجاز امر مسجل لتاريخ كل المؤسسات، لكن الضعف والثغرات ثمن لا يدفعه شخص بل تدفعه الدولة وصورتها، ونحن المواطنين جزء من هذا الواقع.
وكما ان الحكومة مارست مدحاً لانجازها بإطلاق سراح السائق الاردني محمود السعيدات، وهذا حق، فإن عليها عبء محاسبة نفسها عن الثغرة والاداء السلبي الذي تركته قضية السجون. فالامر ليس خاصاً بالشرطة، بل هو قضية سياسية استحوذت على اهتمام الاعلام العالمي، وتمت قراءته باتجاهات ومسارب مختلفة.
الحكومة شكلت لجنة تحقيق يفترض الا يطول عملها، والاهم ان الثمن الذي دفعته الدولة سياسياً واعلامياً يجب ان لا يمر قبل محاسبة المسؤولين عنه، وربما شاهدنا مبادرات من اصحاب المسؤولية بالاستقالة، فالامر مرتبط بسياسات ادارة العلاقة مع هذه الملفات وليس باداء شرطي، والتركيز على الأصغر مسؤولية هروب من المسؤولية الحقيقية.
قضية السجون اختبار مهم مرت به الحكومة، وهي كصاحبة ولاية عامة مسؤولة مباشرة عما جرى باعتباره قضية سياسية وامنية. وعلى الحكومة ان تظهر للاردنيين شفافية حقيقية في محاسبة المسؤولين عن هذا؛ فالامر امني من العيار الثقيل وليس شغب مساجين. وسياسيا، ننتظر ان يحاسب كل صاحب مسؤولية؛ فالاردن اولاً بصورته واستقراره وهيبته، وهو اهم من اي حكومة او وزير او مدير.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   سميح المعايطة