الأجيال الصغيرة قابلة لفهم الأمور وحمل المواقف التي تجعل منها ذات مضمون من دون ان تسمح للمضمون الوهمي ان يسيطر على النفوس. فكل وعاء انساني او عادي قابل لان يحمل شيئاً لكن العبرة بمن يملك القدرة على ملء الفراغ ايجابيا.
قضية الاساءة للرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) وما تبعها من حملة سلمية حضارية للرد عبر المقاطعة الاقتصادية، هذه القضية تحولت الى عملية تربوية ومفاهيم وثقافة لدى الصغار الذين هم هدف عمليات التغريب او على الاقل توسيع دائرة الشكليات والقضايا الهامشية.
لن اذهب بعيداً لكنني سأروي قصة عن عمار، شاب صغير في الصف الثالث، واثناء تجواله في (الدكانة الكبيرة) أي سوبرماركت توقفت شقيقته الصغرى عُلا امام نوع من الشوكولاته الاجنبية التي تحبها، وربما لم اتوقع تلك القوة في الموقف حين ارتفع صوت عمار "لا تشترِها هذه دنماركية"، واصر على عدم شراء هذه الشوكولاته، ولم نملك سوى التوقف دقائق لقراءة ما كُتب على غلاف الشوكولاته والبحث عن بلد المنشأ الذي ثبت انه ليس الدنمارك حتى هدأت نفسه وقام بشرائها رغم انه من المغرمين بتلك الشوكولاته وما معها من لعبة.
أنا لا اتحدث عن قصة فردية، لكنها مثال على تشكل مفاهيم ومواقف ايجابية لدى الاجيال الصغيرة نحو قضايا كبرى. فالطفل المغرم بالشوكولاته يمارس ضغطا على والديه في السوبرماركت لشراء ما يريد، لكن ان نجد في اطفالنا موقفا جاداً في المقاطعة لانه اعتقد ان هذا البلد الاوروبي اساء للرسول الكريم، والاهم انه اقتنع أن عليه ان يدفع ثمنا من رغباته مقابل موقف يُعاقب من خلاله جهة اعتدت على مقدساته.
وهنا نتحدث عن دور المعلم والمدرسة والاعلام في صناعة المفاهيم وتكوين القناعات والمواقف الايجابية لدى الاطفال والشباب وتوجيه اهتماماتهم نحو القضايا الجادة مع اعطاء المساحة الكافية للترويح عن النفس والعيش في استحقاقات المرحلة العمرية.
الكثير من اطفالنا لا يعلمون عن الدانمارك أي معلومات مثلما هو حال بقية الدول، فالدولة بالنسبة لهم مرتبطة باسم لاعب كرة اذا كانوا من محبي كرة القدم، لكن هذه الفطرة السليمة لدى اجيالنا مستعدة لتقبل التربية الايجابية، والتوجيه السليم، وان تُعطى افكاراً وتوجهات سليمة نحو مجتمعها ووطنها وأمتها.
وحين نتحدث مثلاً عن التربية الوطنية وزراعة الانتماء والولاء فاننا نُعاني من مشكلة حقيقية لان ما يجري في عملية تدريس الكتب يحولها الى اعباء مدرسية ومعلومات صماء عن عدد المحافظات ووظيفة المحافظ والمتصرف ومستلزمات الصناعة والتجارة. فالامر ينتقل من صناعة مفاهيم وبناء شخصية قريبة من وطنها الى مادة للحفظ تسبب الأرق للطلبة وهم صغار يحاولون التفريق بين القضاء والناحية والمتصرفية.
لا يمكن لانسان الا ان يكون مهتما ومرتبطا بالشأن العام. لكننا بفعل مخاوف وهواجس الاضرار التي قد تلحق بأبنائنا سنبعدهم لكن الى شأن عام آخر قد يكون (هوشات) في الشوارع او الجامعات, او قضاء ساعات مع الانترنت واستخدامه في كثير من الأحيان بطريقة سلبية تقوم على ثقافة رديئة اخلاقيا، او نحوله الى شخص لا مبالٍ عرضة للإحباط، وكلها خيارات تحمل مخاطر حقيقية على الانسان وعلاقته بما حوله.
الأجيال الصغيرة لديها القابلية لتكون على علاقة فاعلة مع بلادها وامتها، لكن المشكلة الحقيقية في مدارسنا وجامعاتنا واعلامنا وفي الآباء والامهات.
وحين نجد في مرحلة ما نسبة كبيرة من شبابنا خالية من المضمون او منشغلة بالصغائر فلا يجوز ان نشتمهم ونعبس في وجوههم وننعتهم بالتفاهة، فالتهمة توجه لنا جميعا. وحين نضجر من عنف في الجامعات او مخدرات في الشوارع فاننا نتحدث عن نهاية القصة او بدايتها في مكان آخر.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة